الثلاثاء 21 أكتوبر 2025 11:22 مـ 28 ربيع آخر 1447 هـ
بوابة بالعربي الإخبارية
المحرر العام محمد رجب سلامة
×

من النفط إلى المعادن.. السعودية ترسم ملامح اقتصاد المستقبل

الثلاثاء 21 أكتوبر 2025 03:22 مـ 28 ربيع آخر 1447 هـ
صندوق الاستثمارات العامة
صندوق الاستثمارات العامة

يتصدر صندوق الاستثمارات العامة السعودي مشهد النهضة الصناعية الجديدة من خلال ضخ استثمارات استراتيجية في قطاع التعدين، بهدف تأمين سلاسل الإمداد الحيوية وبناء اقتصاد متنوع ومستدام بعيداً عن النفط.
ويُعد هذا التوجه ركيزة أساسية ضمن رؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى جعل التعدين والصناعة قاطرة للتنمية الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل الوطني.

قفزة في عدد المنشآت الصناعية بدعم من برنامج "ندلب"

بحسب تقرير برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية (ندلب) لعام 2024، ارتفع عدد المنشآت الصناعية في المملكة من 7,206 منشأة عام 2016 إلى 12,589 منشأة بنهاية 2024، في نمو غير مسبوق يعكس نجاح جهود التوطين الصناعي وتحفيز الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية.
ويستهدف البرنامج رفع مساهمة قطاعي الصناعة والتعدين في الناتج المحلي الإجمالي إلى 15%، بدعم من استثمارات صندوق الاستثمارات العامة في المشاريع ذات القيمة المضافة العالية.

التعدين.. الركيزة الثالثة للاقتصاد السعودي

يتعامل الصندوق مع قطاع التعدين بوصفه الركيزة الاقتصادية الثالثة بعد النفط والبتروكيماويات، إذ يسعى إلى بناء سلسلة قيمة متكاملة تبدأ من الاستكشاف والإنتاج وتنتهي عند التصنيع النهائي للمعادن والمواد الحيوية.
وتركّز الاستراتيجية على ضمان أمن الإمدادات المعدنية اللازمة لصناعات المستقبل مثل الطاقة النظيفة والسيارات الكهربائية، ما يجعل المملكة مركزاً محورياً في سلاسل الإمداد العالمية.

"معادن" في طليعة التنفيذ.. شراكات واستثمارات استراتيجية

تُعد شركة التعدين العربية السعودية (معادن) الذراع التنفيذية الرئيسة للصندوق في هذا المجال، إذ أطلقت عدداً من الشراكات الاستراتيجية العالمية لتعزيز قدراتها التكنولوجية والإنتاجية:

  • شراكة مع "إيفانهو إلكتريك" الأمريكية: استحوذت "معادن" على 9.9% من أسهم الشركة مقابل 126.5 مليون دولار لإطلاق مشروع تنقيب يغطي 48,500 كيلومتر مربع داخل المملكة لاكتشاف معادن استراتيجية جديدة مثل النحاس والنيكل والذهب.

  • اتفاق مبدئي مع "أرامكو": لتأسيس مشروع مشترك يركز على استخراج الليثيوم والمعادن المرتبطة بتحول الطاقة.

  • اتفاق مع "إم بي ماتيريلز" الأمريكية: لاستكشاف فرص إنشاء سلسلة توريد متكاملة للمعادن الأرضية النادرة داخل المملكة.

وتسعى "معادن" إلى مضاعفة أرباحها التشغيلية بمقدار 10 مرات بحلول 2040 عبر أربعة محاور: تعظيم القيمة من الموارد المحلية، رفع الإنتاجية، تعزيز الممارسات البيئية والاجتماعية، وتحقيق الريادة في الحوكمة.

"منارة المعادن".. ذراع عالمية لتأمين الإمدادات

في إطار التوسع الخارجي، أسس الصندوق عام 2023 بالشراكة مع "معادن" شركة "منارة المعادن للاستثمار"، لتأمين المعادن الاستراتيجية من خارج المملكة.
ونفذت الشركة أولى صفقاتها الكبرى في يوليو 2023 بالاستحواذ على 10% من شركة "فالي بيس ميتالز" البرازيلية، ما يتيح للمملكة الوصول إلى مصادر عالمية عالية الجودة من النيكل والنحاس والكوبالت في البرازيل وكندا وإندونيسيا.

الاستدامة والتقنية ركيزتان لنهضة التعدين

تتبنى "معادن" نهجاً يقوم على الاستدامة والابتكار التقني لخفض الانبعاثات وتعزيز كفاءة الإنتاج.
وتستخدم الشركة تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحديد مواقع التنقيب الواعدة، وتولّد جزءاً كبيراً من احتياجاتها من الطاقة الشمسية، إلى جانب استخدام المياه المعالجة في العمليات بدلاً من الجوفية.
كما تتعاون مع شركة "أكوا باور" لتطوير حلول الطاقة المتجددة في مواقع التعدين، بما يتماشى مع أهداف الصندوق والمملكة لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2060.

الصلب الأخضر وتوسيع البنية التحتية الصناعية

ضمن جهود توطين الصناعات الثقيلة، أطلق الصندوق بالتعاون مع "سابك" و"حديد الراجحي" خطة لدمج الشركتين في كيان وطني ضخم لصناعة الصلب.
كما أسس الصندوق وأرامكو مشروعاً مشتركاً مع شركة "باوستيل" الصينية لإنشاء مجمع لإنتاج ألواح الصلب منخفضة الانبعاثات بطاقة سنوية تبلغ 1.5 مليون طن، باستخدام تقنيات أفران القوس الكهربائي لتقليل الانبعاثات بنسبة 60%.

شبكات النقل والفوسفات.. شرايين التنمية

تعزز شركة الخطوط الحديدية السعودية (سار)، المملوكة للصندوق، الكفاءة اللوجستية عبر أطول قطار لنقل المعادن في الشرق الأوسط، يربط مناطق التعدين شمال المملكة بميناء رأس الخير على الخليج العربي.
وفي الوقت نفسه، تقود "معادن" و"سابك" صناعة الأسمدة الفوسفاتية من خلال مشاريع تصل طاقتها الإنتاجية إلى 6 ملايين طن سنوياً، مع بدء تنفيذ مشروع "الفوسفات 3" الذي سيرفع الطاقة إلى 9 ملايين طن ويجعل المملكة ثاني أكبر مصدر للفوسفات عالمياً.
كما استحوذت "معادن" على حصة 25% من "موزاييك" في "معادن وعد الشمال للفوسفات"، ما يعزز سيطرتها الاستراتيجية على القطاع.

تحفيز الاستثمار وتحقيق مستهدفات رؤية 2030

تُظهر هذه التطورات أن قطاع التعدين السعودي يتجه نحو مرحلة توسع غير مسبوقة تجمع بين جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز المحتوى المحلي وخلق فرص عمل نوعية، مدعوماً بإصلاحات تنظيمية وسرعة في منح التراخيص.
ومع استكمال هذه المشاريع، يقترب الصندوق من تحقيق هدفه في تحويل التعدين إلى أحد أعمدة الاقتصاد الوطني، ودعم المملكة في بناء اقتصاد صناعي مستدام يقود المنطقة نحو المستقبل.

هذا الخبر برعاية