من وادي السيليكون إلى صحراء العرب.. التكنولوجيا العميقة تجد موطئ قدم جديد

بينما تواصل شركات التكنولوجيا الأمريكية والصينية الهيمنة على مشهد الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحيوية، بدأت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تفرض حضورها كلاعب واعد في قطاع التكنولوجيا العميقة (Deeptech)، مستندة إلى تدفق رؤوس أموال سيادية وخاصة، واستراتيجيات وطنية طموحة.
ويتميز قطاع التكنولوجيا العميقة عن الشركات الناشئة التقليدية بكونه قائماً على الاكتشافات العلمية والتطورات الهندسية المعقدة، ما يستلزم تمويلاً كبيراً، وحقوق ملكية فكرية قوية، وخبرات متعددة التخصصات. وبخلاف التطبيقات البرمجية الجاهزة، يركز هذا القطاع على إيجاد حلول لتحديات علمية وهندسية كبرى.
تمويلات غير مسبوقة
وفقاً لبيانات «ومضة»، جمعت شركات التكنولوجيا العميقة الناشئة في المنطقة نحو 250 مليون دولار في يوليو 2025 وحده.
وكانت شركة «إكسبانسيو» (Xpanceo) في دبي من أبرز المستفيدين، بعدما رفعت قيمتها السوقية إلى 1.35 مليار دولار عقب جولة تمويلية لتطوير عدسات لاصقة ذكية بتقنيات الواقع المعزز. ومن المقرر أن يشارك مؤسسوها في جلسة حوارية خلال مؤتمر «إكسباند نورث ستار» ضمن فعاليات «جيتكس غلوبال 2025» في أكتوبر المقبل.
وقال ريان شريف، الشريك في «إف 6 فينتشرز»، إن «الإمارات والمنطقة تشهدان موجة متنامية من شركات التكنولوجيا العميقة، خصوصاً في تكنولوجيا المناخ مثل الهيدروجين والطاقة المتجددة والتنقل، إلى جانب مجالات الفضاء، الرعاية الصحية والروبوتات».
الصناديق السيادية في قلب المشهد
تلعب كيانات استثمارية كبرى مثل «مبادلة»، و«القابضة» (ADQ)، و«إم جي إكس» (MGX) دوراً محورياً في دفع عجلة القطاع، عبر ضخ استثمارات في مجالات البنية التحتية للبيانات، وأشباه الموصلات، والتقنيات الأساسية الأخرى. وتأتي هذه الاستثمارات غالباً ضمن شبكات معقدة تقلل من المخاطر أمام الشركات الناشئة.
ويبرز قطاع الزراعة التقنية مثالاً واضحاً؛ حيث نجحت شركة «آيريس» (Iyris) السعودية – المعروفة سابقاً باسم «ريد سي فارمز» – في جمع 16 مليون دولار عام 2024 بدعم من «صندوق حي دبي للمستقبل»، و«أرامكو»، و«مبادرة مستقبل الاستثمار».
الشركة التي انطلقت من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KAUST) أبرمت في 2022 شراكة استراتيجية مع «ريد سي غلوبال» التابعة لصندوق الاستثمارات العامة لتأمين الغذاء المستدام لمشاريع كبرى في المملكة.
التكامل مع المشاريع الوطنية
يرى خبراء أن دمج التكنولوجيا العميقة في الاستراتيجيات التنموية الوطنية يمثل عاملاً حاسماً لنموها. وقال أحمد الذُكير، الشريك العام في «جي سي سي أنجلز»، إن «خلال الأعوام الخمسة المقبلة سيشهد النظام البيئي للتكنولوجيا العميقة توسعاً بالتوازي مع مشاريع ضخمة مثل «نيوم»، و«مصدر»، و«كاوست»، التي ستشكل عملاء رئيسيين وحواضن اختبار للشركات الناشئة».
لكن هذا المسار ليس خالياً من المخاطر. فقد استثمرت «نيوم» 175 مليون دولار في شركة «فولوكوبتر» الألمانية لسيارات الأجرة الطائرة، قبل أن تُباع لاحقاً إلى مستثمر صيني مقابل 11 مليون دولار فقط.
ويؤكد الذُكير أن «قطاع التكنولوجيا العميقة بطبيعته عالي المخاطر، لكن وجود استراتيجيات مثل رؤية السعودية 2030، واستراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي، وخطط التحول في الطاقة، تمنح إشارات واضحة على استمرار الدعم والطلب المستقبلي».