الخميس 9 أكتوبر 2025 07:47 مـ 16 ربيع آخر 1447 هـ
بوابة بالعربي الإخبارية
المحرر العام محمد رجب سلامة
×

رؤوس الأموال الخليجية تعيد رسم خريطة التمويل المناخي العالمي

الخميس 9 أكتوبر 2025 10:40 صـ 16 ربيع آخر 1447 هـ
الخليج
الخليج

في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها مشهد التمويل المناخي العالمي، تبرز صناديق الثروة السيادية الخليجية كلاعب رئيسي جديد يعيد تشكيل خريطة التمويل الأخضر، بعد أن بدأت رؤوس الأموال التقليدية في الغرب بالتراجع عن دورها الريادي في دعم التحول الطاقي.

الخليج يدخل عصر التمويل المناخي

يشير تقرير صادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) إلى أن رؤوس الأموال الحكومية الخليجية أصبحت تمثل محوراً رئيسياً في منظومة التمويل المناخي العالمي، بعد انتقالها من الاستثمار في الأصول التقليدية إلى ضخ مليارات الدولارات في مشروعات الطاقة النظيفة.

فخلال العقد الأخير، غيّرت الصناديق الخليجية استراتيجيتها جذرياً، لتنتقل من الاستثمار في العقارات الفاخرة والأصول الرمزية إلى تبني نهج استثماري قائم على الاستدامة والتنويع الاقتصادي.

السعودية تقود التحول عبر “الاستثمارات العامة”

في المملكة العربية السعودية، يقود صندوق الاستثمارات العامة (PIF) التحول الأخضر من خلال شركة أكوا باور (ACWA Power)، التي تمتلك محفظة توليد تفوق 55 غيغاواط من الطاقة المتجددة وتدير 7.6 ملايين متر مكعب من مياه التحلية يومياً في 12 دولة.

كما خصص الصندوق نحو 10 مليارات دولار لمشروعات الهيدروجين الأخضر عبر شركة "إنرجي سوليوشنز"، إلى جانب مشروع نيوم للهيدروجين الأخضر بتكلفة 8.4 مليارات دولار، والذي يسهم في خفض الانبعاثات بنحو 5 ملايين طن سنوياً.

الإمارات توسع نفوذها الأخضر عبر “مصدر”

أما في الإمارات العربية المتحدة، فتقود شركتا مبادلة ومصدر جهود التوسع في الطاقة النظيفة، حيث التزمت أبوظبي بضخ 10 مليارات دولار لتطوير مشروعات توليد كهرباء بقدرة 10 غيغاواط في إفريقيا جنوب الصحراء بحلول عام 2030، ما يعزز مكانتها كأحد أهم ممولي التحول الطاقي في القارة.

التمويل الأخضر أداة للنفوذ الاقتصادي

لم يعد التمويل الأخضر مجرد التزام بيئي، بل تحول إلى أداة استراتيجية تجمع بين الاقتصاد والدبلوماسية.
فمن خلال مشروعاتها في الطاقة المتجددة والهيدروجين، تسعى السعودية لبناء أسواق تصدير جديدة للطاقة النظيفة، بينما تعزز الإمارات حضورها في إفريقيا وآسيا بتمويل البنية التحتية المستدامة، بما يرسخ نفوذها الاقتصادي في العالم النامي.

ويأتي هذا الدور في وقت تتراجع فيه مساهمات الدول الغربية في التمويل المناخي، بعد انسحاب الولايات المتحدة من صندوق الخسائر والأضرار، وتقليص بريطانيا والاتحاد الأوروبي لمخصصات المساعدات التنموية، ما أضعف قدرة المؤسسات الدولية على دعم الدول الفقيرة المتضررة من تغير المناخ.

استثمارات خضراء لخدمة خطط التنويع الاقتصادي

ترتبط استراتيجيات التمويل الأخضر الخليجية ارتباطاً وثيقاً بخطط التنويع الاقتصادي.
ففي رؤية السعودية 2030، تستهدف المملكة توليد 50% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول نهاية العقد، فيما تسعى استراتيجية الإمارات للطاقة 2050 إلى رفع قدرة الطاقة النظيفة إلى 14 غيغاواط.

وتسهم هذه المبادرات في خلق فرص استثمارية وصناعية جديدة وتعزيز سلاسل الإمداد المحلية للطاقة المستدامة، بما يجعل الاستثمارات الخضراء محركاً مباشراً لبناء اقتصاد متنوع قادر على المنافسة عالمياً.

حوكمة واستدامة مالية لتعزيز الثقة الدولية

مع توسع نشاط الصناديق الخليجية في التمويل الأخضر، يبرز تطوير الحوكمة والاستدامة المالية كأحد المحاور الأساسية.
فمن خلال تنويع مصادر الدخل وتبني معايير الإفصاح والشفافية، تسعى هذه الصناديق إلى تعزيز ثقة المستثمرين الدوليين وجذب شراكات جديدة.
وتعمل السعودية والإمارات على مواءمة الاستقرار المالي مع الأهداف البيئية، ما يجعل الصناديق السيادية نموذجاً في إدارة الثروة ضمن الاقتصاد الأخضر العالمي.

قوة مالية تعيد رسم ملامح الاقتصاد العالمي

لم تعد الصناديق السيادية الخليجية مجرد أدوات لإدارة الفوائض النفطية، بل أصبحت قوة محركة للتنمية المستدامة والدبلوماسية الاقتصادية.
فبفضل رؤوس أموالها طويلة الأجل ورؤيتها الاستراتيجية، باتت قادرة على توجيه التدفقات المالية نحو مشاريع تحقق توازناً بين الربحية والأثر البيئي، وتساهم في الوقت نفسه في استقرار أسواق الطاقة العالمية.

وفي وقت يتراجع فيه التمويل المناخي الدولي، تواصل هذه الصناديق تعزيز حضورها كركيزة رئيسية في منظومة التمويل الأخضر العالمي، ما يجعل الخليج في صدارة القوى المالية الجديدة التي تشكّل مستقبل الاقتصاد المستدام.

موضوعات متعلقة