الإثنين 20 أكتوبر 2025 07:57 مـ 27 ربيع آخر 1447 هـ
بوابة بالعربي الإخبارية
المحرر العام محمد رجب سلامة
×

”في سبع دقائق”.. سرقة مجوهرات ملكية تهز متحف اللوفر وتعيد فتح ملف أمن المتاحف في فرنسا

الإثنين 20 أكتوبر 2025 11:31 صـ 27 ربيع آخر 1447 هـ
متحف اللوفر
متحف اللوفر

"خلال 7 دقائق.. عملية سرقة ’لا تقدر بثمن’ في متحف اللوفر" .. بهذا العنوان، أضحى العالم، أمس الأحد، على هذا النبأ العاجل بتنفيذ عملية سرقة مجوهرات بمتحف اللوفر في قلب العاصمة الفرنسية باريس، والذي يعد أكبر متحف في العالم.

فقد نفّذ لصوص عملية سطو على مجوهرات بمتحف اللوفر، أحد أشهر المتاحف في العالم، قبل أن يلوذوا بالفرار.

واعتبر وزير الداخلية الفرنسي أن المجوهرات المسروقة "لا تقدر بثمن".

سرقة متحف اللوفر

وقعت عملية السرقة عندما دخل لصوص نحو الساعة 9:30 صباحا (بتوقيت باريس) قاعة "أبولو" في المتحف وهو جناح كبير يضم مجوهرات وثروات تعود للعصر الملكي الفرنسي.. وسرقوا مجوهرات، حسبما أوضح وزير الداخلية لوران نونيز الذي أشار إلى استمرار التحقيق.

وأضاف أن اللصوص استعانوا برافعة بضائع وضعت على ظهر شاحنة خارج مبنى المتحف، وأظهرت صور من مكان الحادثة سلما مثبتا على شاحنة يؤدي إلى الطابق الأول، ليتمكنوا من الوصول إلى إحدى النوافذ وتحطيمها والدخول إلى قاعة "أبولو" بالمتحف. وقال لوران نونيز إن "ثلاثة أو أربعة" لصوص نفذوا عملية السطو خلال "سبع دقائق".

وزيرة الثقافة الفرنسية تعلق على سرقة متحف اللوفر

وكانت وزيرة الثقافة رشيدة داتي هي أول من أعلنت هذا النبأ الذي أثار دهشة الجميع.. فقد كتبت على منصة "إكس": "وقعت سرقة هذا الصباح أثناء افتتاح متحف اللوفر، لم تسجل أي إصابات، أنا موجودة في المكان برفقة فرق من المتحف ومن الشرطة، التحقيقات جارية".

وفور الإعلان عن هذه الحادثة الكبيرة، أعلن المتحف الأكثر استقطابا للزوار في العالم إغلاق أبوابه طوال اليوم لأسباب "استثنائية".

وفقا للتحقيقات الأولية، سُرقت ثماني قطع من المجوهرات والحلى الملكية المعروضة في قاعة "أبولو" في المتحف، والعائدة إلى القرن التاسع عشر، من بينها عقد من الياقوت عائد للملكة ماري-إميلي، زوجة الملك لوي-فيليب الأول، المؤلف من 8 أحجار ياقوت و631 ماسة، بحسب موقع اللوفر الإلكتروني، وأيضا عقد من الزمرد من طقم عائد للزوجة الثالثة لنابوليون الأول، ماري لويز، المؤلف من 32 حجر زمرد و1138 ماسة.

أما تاج الإمبراطورة أوجيني، الذي يحمل نحو ألفي ماسة، فقد تم العثور عليه بالقرب من المتحف الباريسي، كما عُثر على جوهرة ثانية، لم تحدد نيابة باريس ماهيتها، في القاعة التي وقع فيها عملية السطو. وأعلنت وزارة الثقافة أن "أجهزة الإنذار الموجودة على النافذة الخارجية" للقاعة وعلى خزانة العرض قد انطلقت.

إلا أن عملية السرقة هذه وصفت بأنها "كانت سريعة ومفاجئة"، بل واستثنائية لطبيعتها المذهلة في متحف اللوفر، والذي يعد أحد أبرز المتاحف الفنية والتاريخية في العالم.

لكن بالرغم من طبيعتها الاستثنائية، إلا أنها لم تكن السرقة الأولى التي يشهدها هذا المتحف، والذي يضم أهم الروائع الفنية في العالم، منها لوحة الموناليزا الشهيرة لليوناردو دا فينشي وتمثال فينوس دي ميلو، كما أنه يُعد أكبر صالة عرض فنية في العالم، حيث يضم أكثر من 380 ألف قطعة أثرية و35 ألف عمل فني معروض.

اللوحات المسروقة في متحف اللوفر لا تقدر بثمن

لم يسلم المتحف من أطماع اللصوص ونهبهم هذه الروائع الفنية من لوحات وتماثيل وأدركوا أنه كنز "لايقدر بثمن". والجريمة الأكثر الشهرة هي التي وقعت في 21 أغسطس 1911، عندما دخل عامل إيطالي بالمتحف يُدعى "فينشنزو بيروجيا" وخرج حاملا أغلى لوحة في التاريخ "الموناليزا". اختبأ العامل بيروجيا داخل المتحف بعد الإغلاق، وانتظر حتى خلا المكان من الزوار والحراس، ثم فك اللوحة من إطارها الخشبي وغادر دون أن يلاحظه أحد. لم تكتشف الجريمة إلا بعد يوم كامل، ووصفت الصحف النبأ آنذاك بأنها "سرقة القرن".

تمت استعادة اللوحة الثمينة إلى مكانها بعد أن اُعتقل بيروجيا عام 1913 أثناء محاولته بيعها في فلورنسا. وفي دفاعه، قال إنه يريد إعادة العمل المنهوب إلى بلده الأصلي، متجاهلا أو يغفل حقيقة أن الملك فرانسيس الأول قد حصل عليها بشكل مباشر أو شبه مباشر من الفنان نفسه.

ومنذ هذه الحادثة، أصبحت "الموناليزا" أسطورة عالمية ورمزا لفن لا يقدر بثمن.

وشددت السلطات الإجراءات الأمنية بشكل ملحوظ، خاصة بعد هذه السرقة، لكن هذا لم يمنع استمرار اختفاء قطع صغيرة. وكانت الأقسام الأكثر عرضة للخطر هي أقسام الآثار الشرقية والفنون التصويرية، التي شهدت بعض التأمين بعد رقمنة جرد المعروضات. وخصصت إدارة المتحف قسما مُخصصا للسرقات، والأشياء المفقودة والاسترداد.

كذلك، وقعت سرقة أخرى كبيرة، في يونيو 1939، مع اختفاء لوحة "اللامبالاة" لجان أنطوان واتو، ولكن لوقت قصير. فقد تمت سرقتها على يد فنان روسي الذي زعم لاحقا رغبته في امتلاكها. وتمكن من قضاء أسبوعين في الغرفة التي عُرضت فيها لوحة "اللامبالاة" المرسومة على الخشب وهي صغيرة جدا (25 × 19 سم)، لينسخ لوحة مثلها. وبدلا من انشغاله بعمله، أعد خطته لسرقة اللوحة لكنه أعادها بعد شهرين إلى قاضي التحقيق، وُحكم عليه بالسجن لمدة عامين.

كما شهدت قاعة "أبولو" الشهيرة بالمتحف والمعنية بحادثة اليوم، عملية سرقة أخرى في السابق. فقد سُرق سيف مرصعا بالألماس من القرن التاسع عشر يعود للملك شارل العاشر خلال "سطو مسلح على متحف اللوفر ليلة 16 ديسمبر 1976"، حسبما ذكر اللوفر على موقعه الإلكتروني. ولا يزال هذا السيف الشهير جارٍ البحث عنه.

وفي 31 مايو 1983، اكتشف موظفو اللوفر اختفاء قطعتين أثريتين من الدروع المعدنية، من الذهب والفضة، والتي تعود إلى القرن السادس عشر من قسم الأسلحة. وكشفت هذه العملية هشاشة النظام الأمني في المتحف آنذاك. ورغم أن ظروف هذه السرقة غير موثقة بشكل كاف، إلا أن عودة هذه القطع إلى اللوفر بالمصادفة جعلتها استثنائية، إذ ظلت القطع مفقودة لفترة طويلة قبل أن يتم استعادتها في عام 2021، عندما تعرّف خبير آثار عسكرية على القطع أثناء عملية تقييم عقار في مدينة "بوردو"، وأبلغ الشرطة على الفور، لتعاد مجددا القطع إلى موطنها الأصلي داخل قاعة العرض.

لكن عملية السرقة التي أجبرت متحف اللوفر على إعادة تقييم إجراءاته الأمنية بشكل جذري كانت سرقة لوحة كاميل كورو "الطريق إلى سيفر" في 3 مايو 1998. لم تتم استعادة اللوحة حتى يومنا هذا. وكان المتحف آنذاك قد شهد تحولا كبيرا بعد افتتاح أعمال التجديد التي كلف بها فرانسوا ميتران. لكن كان من المفاجئ والمثير للدهشة اكتشاف أن أنظمة التأمين لا تزال قديمة وغير مطورة.

اتخذ متحف اللوفر بعد ذلك سلسلة من التدابير الهيكلية خاصة بالأمان والتأمين، أولا من خلال طلب تدقيق لتحليل أمن الأعمال الفنية المعروضة وإصلاحها، ثم إعداد خطة عمل مفصلة لتحسين معدات المراقبة والحماية. وحديثا، تم تشكيل مجموعة أمنية متعددة الوظائف، ضمت أمناء وموظفي مراقبة ولوجستيات ورجال إطفاء، وغيرهم. ولم يكن الهدف هو التعامل مع حادث سرقة بقدر ما كان منعها من الأساس.

لكن في العام الماضي، شهدت فرنسا عملية سرقة أخرى. فقد سرق كنز من المجوهرات تقدر قيمته بملايين اليورو، في عملية سطو شهدها متحف للفنون المقدسة في "باريه لو مونيال" (شرق فرنسا).

ووصل اللصوص بواسطة دراجات نارية، في وضح النهار، إلى متحف "ييرون" وتوجهوا نحو القطعة الرئيسية في المتحف، وهو عمل فني يحمل اسم "فيا فيتايه" وهو عمل ذهبي ضخم من أواخر القرن التاسع عشر من تصميم جوزيف شوميه، يزن 3 أطنان، وأزالوا الأحجار الكريمة وقطعوا الأجزاء الذهبية باستخدام المنشار.

وكان نحو عشرين زائرا متواجدين في المتحف وقت السرقة، بالإضافة إلى موظفيه الذين تعرضوا لصدمة بعدما أطلق اللصوص عدة طلقات نارية لتخويفهم، دون التسبب في أي إصابات. منذ ذلك الحين، فضلت عدة متاحف في البلاد عرض النسخ مطابقة للأصل.

لكن تظل الحقيقة أن فكرة انعدام المخاطر غير موجودة: لم يكن أحد، باستثناء اللصوص، ليتخيل سرقة أمس "الاستثنائية"؛ لم يستهدف هذا الأمر اللوحات، التي كانت بطبيعتها غير قابلة للبيع لأنها كانت مدرجة في قائمة المتاحف، بل المجوهرات، التي لا تُقدر بثمن من منظور تاريخي، والتي يمكن تفكيكها وصهر الذهب وإعادة بيعه.

أصبحت حادثة الأمس الأكثر استثنائية، حيث إن المسروقات المجوهرات الملكية "لا تقدر بثمن" ، لكنها أيضا أصبحت بمثابة جرس إنذار يدفع إدارة اللوفر إلى مراجعة بروتوكولات الأمان والتأمين وأنظمة الحماية والمراقبة بالمتحف الذي يعد أكبر متحف في العالم، بمساحة تبلغ قرابة 73 ألف متر مربع.

يذكر أن مبنى اللوفر شُيّد عام 1546 ليكون قصرا للعائلة المالكة الفرنسية. وكان الملك فرانسيس الأول - أول من سكنه وكان عاشقا للفن، وخطط لأن يعرض المتحف مجموعته الفنية.

وفي أعقاب الثورة الفرنسية، تحول القصر إلى متحف عام للجمهور في عام 1793، وأصبح رمزا لديمقراطية الوصول إلى الثقافة. إذ أصبح تحفة معمارية وكنز ثقافي بالغ الأهمية ومن أعظم عجائب الفن والتاريخ.

يجسد "اللوفر" عظمة فرنسا على مر العصور، حيث يضم مجموعة لا تُقدر بثمن من الروائع الفنية والكنوز القديمة من جميع أنحاء العالم وروائع عصر النهضة والفن في القرن التاسع عشر.

ويعرض المتحف اليوم أكثر من 35 ألف عمل فني- بما فيها لوحة الموناليزا الشهيرة لليوناردو دافنشي ويستقبل قرابة 30 ألف زائر يوميا. وبذلك، أصبح أكثر المتاحف استقطابا للزوار في العالم، واستقبل نحو 9 ملايين زائر عام 2024، نحو 80% منهم أجانب.