بين الهيدروجين الأخضر والذكاء الاصطناعي.. سباق عربي لإعادة رسم خريطة الطاقة
تشهد المنطقة العربية تحوّلاً لافتاً في أولوياتها الاستثمارية بمجالي الطاقة والتقنية، مع تصاعد المنافسة بين مشروعات الهيدروجين الأخضر كثيفة الكلفة، ومراكز الذكاء الاصطناعي التي تستهلك كميات هائلة من الكهرباء. وبينما كانت قمم المناخ في شرم الشيخ ودبي قد أطلقت موجة مشاريع طاقة نظيفة بمليارات الدولارات، فإن الطفرة التكنولوجية التي يشهدها العالم تدفع دول المنطقة إلى إعادة توزيع مواردها بين التحول الأخضر ومتطلبات الاقتصاد الرقمي.
تحوّل في البوصلة الاستثمارية
في السنوات الأخيرة، شهدت المنطقة تدفقاً كبيراً في رؤوس الأموال نحو مشروعات الهيدروجين الأخضر، لكن التطورات السريعة في الذكاء الاصطناعي وارتفاع تكلفة إنتاج الوقود النظيف وضعا صناع القرار أمام معادلة جديدة: كيف يمكن تحقيق توازن بين مستقبل الطاقة النظيفة ومتطلبات الثورة التقنية؟
عدد من الدول، مثل الإمارات والسعودية، اتجهت إلى الموازنة بين الاستثمار في الهيدروجين ومراكز البيانات، بينما فضّلت أخرى مثل قطر والمغرب توجيه جزء أكبر من مواردها إلى تطوير البنية الرقمية وتعزيز قدراتها في الذكاء الاصطناعي.
الطلب العالمي على الهيدروجين أقل من التوقعات
قال محمد جميل الرمحي، الرئيس التنفيذي لشركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر)، في تصريحات، إن الطلب العالمي على الهيدروجين النظيف ما زال دون التوقعات، موضحاً أن الشركة كانت تخطط لإنتاج نحو 350 ألف طن من الأمونيا الخضراء باستخدام 6 غيغاواط من الطاقة المتجددة، إلا أن الكهرباء المخصصة للمشروع تحوّلت لتغذية مراكز البيانات، في خطوة تعكس تغير أولويات السوق.
وأشار الرمحي إلى أن التحدي الأكبر أمام قطاع الهيدروجين هو غياب المشترين الفعليين، مؤكداً أن "الإنتاج بسعر تنافسي هو الحل الوحيد لضمان استدامة المشاريع".
تحديات اقتصادية وتمويلية
يواجه قطاع الهيدروجين الأخضر عقبات هيكلية أبرزها ارتفاع التكاليف وصعوبة التمويل طويل الأجل، إلى جانب غياب عقود شراء ملزمة مع مستهلكين نهائيين. ووفق مؤسسة التمويل الدولية، فإن هذه العوامل تُضعف الجدوى الاقتصادية للمشروعات الجديدة، ما دفع شركات كبرى مثل بي بي إلى الانسحاب من مشاريع بمليارات الدولارات.
ووفق بيانات بلومبرغ إن إي أف، أُلغيت 30 مشروعاً للهيدروجين الأخضر حول العالم بين عامي 2024 و2025، في مؤشر على التحديات التي تواجه هذا القطاع الوليد رغم الزخم السياسي والإعلامي الذي رافقه خلال السنوات الماضية.
السعودية وعُمان والمغرب تتصدر المشهد الأخضر
رغم الصعوبات، ما تزال السعودية تمضي قدماً في تنفيذ مشروع نيوم للهيدروجين الأخضر، الأكبر عالمياً، لإنتاج 600 طن يومياً من الوقود النظيف بحلول 2026 وتصدير 1.2 مليون طن من الأمونيا الخضراء سنوياً.
وفي عُمان، يجري تنفيذ مشاريع بقيمة تتجاوز 20 مليار دولار لإنتاج 1.6 مليون طن من الهيدروجين بحلول 2030، بينما جذبت مصر اتفاقيات تفوق قيمتها 60 مليار دولار في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
أما المغرب، فقد أعلن عن ستة مشاريع كبرى باستثمارات تبلغ 32.6 مليار دولار، ما يعزز موقعه كمركز محوري للطاقة المستدامة في القارة الأفريقية.
الذكاء الاصطناعي.. محرك جديد للاقتصاد الإقليمي
في المقابل، بدأت دول المنطقة في توجيه استثمارات ضخمة نحو الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات لتلبية احتياجات الثورة الرقمية. وتشير تقديرات برايس ووترهاوس كوبرز (PwC) إلى أن مساهمة الذكاء الاصطناعي في اقتصادات الشرق الأوسط قد تصل إلى 320 مليار دولار بحلول عام 2030.
وتقود السعودية هذا التحول من خلال صندوق استثمار بقيمة 40 مليار دولار بالشراكة مع "أندريسن هورويتز"، ومشاريع تتجاوز 100 مليار دولار ضمن رؤية 2030. كما أطلقت شركة "هيوماين" تطبيق «هيوماين تشات» المدعوم بالنموذج اللغوي العربي "علام".
في الإمارات، التي كانت أول دولة في العالم تُعين وزيراً للذكاء الاصطناعي عام 2017، تواصل شركتا جي 42 وإم جي إكس تطوير مشاريع ضخمة مثل مشروع «ستارغيت» ضمن استراتيجية الذكاء الاصطناعي 2031.
أما قطر والمغرب، فقد خصصتا 2.5 و1.1 مليار دولار على التوالي لتعزيز التحول الرقمي، في إطار سعي إقليمي لجعل الذكاء الاصطناعي ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي.
نحو مزيج طاقي جديد
يرى سهيل المزروعي، وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي، أن تزايد الطلب على الكهرباء نتيجة التوسع في الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات يتطلب تكاملاً بين الطاقة التقليدية والمتجددة، مشيراً إلى أن استقرار إمدادات الكهرباء يمثل التحدي الأكبر.
ويبدو أن مستقبل الطاقة في المنطقة العربية لن يكون خياراً بين الهيدروجين الأخضر أو الذكاء الاصطناعي، بل توازناً مدروساً بين الابتكار التقني والتحول المستدام، بما يضمن استدامة النمو الاقتصادي وتلبية الطلب المتسارع على الكهرباء في العقود المقبلة.












