السعودية وعضوية ”IMO”.. ثقة العالم في ”بوصلة” الرؤية
لم يكن حصول المملكة العربية السعودية على 142 صوتاً في انتخابات المنظمة البحرية الدولية (IMO) في لندن، وفوزها بعضوية المجلس لعامي 2026-2027، مجرد فوز دبلوماسي عابر، بل هو -بلغة الأرقام والاقتصاد- "استحقاق واجب" يعكس قراءة المجتمع الدولي الدقيقة للتحولات الهائلة التي تشهدها المملكة، ويؤكد أن الرياض باتت رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه في معادلة الاقتصاد العالمي وسلاسل الإمداد.
بصفتنا مراقبين ومستثمرين نعيش تفاصيل المشهد الاقتصادي السعودي يومياً، ندرك أن هذا الفوز هو حصاد طبيعي لـ "رؤية المملكة 2030". هذه الرؤية التي لم تكتفِ بتنويع مصادر الدخل، بل أعادت هندسة الجغرافيا الاقتصادية للمنطقة، محولةً موقع المملكة الاستراتيجي -الذي يربط القارات الثلاث- إلى منصة لوجيستية عالمية حقيقية.
إن الرقم "142 صوتاً" يحمل دلالات عميقة؛ فهو إقرار دولي بالكفاءة التشغيلية للمواني السعودية التي تواصل القفز في مؤشرات التنافسية العالمية، وهو اعتراف بحجم الأسطول البحري السعودي الذي يتصدر المشهد الإقليمي. عندما نتحدث عن دولة يمر عبر مياهها في البحر الأحمر قرابة 13% من التجارة العالمية، فنحن نتحدث عن "صمام أمان" للاقتصاد الدولي، وعن شريك موثوق في تأمين ممرات الملاحة والطاقة.
من منظور استثماري، يبعث هذا الفوز برسائل تطمين هامة للقطاع الخاص المحلي والأجنبي.
فوجود المملكة في هرم القيادة للمنظمة المعنية بالتشريعات البحرية يعني أن البيئة الاستثمارية في قطاع النقل والخدمات اللوجيستية ستكون محكومة بأعلى معايير السلامة والجودة والاستدامة البيئية. وهذا يتماشى تماماً مع الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجيستية التي أطلقها سمو ولي العهد، والتي تستهدف رفع الطاقة الاستيعابية وتسهيل حركة التجارة، وفتح آفاق جديدة في السياحة البحرية (الكروز) والنقل الساحلي.
لا يمكننا أيضاً إغفال الجانب البيئي في هذا الإنجاز. فالمملكة التي تقود مبادرة "الشرق الأوسط الأخضر" تثبت اليوم، من خلال هذا المقعد الدولي، التزامها الصارم بحماية البيئة البحرية والحد من التلوث الناتج عن السفن، وهو ما يعزز مكانتها كدولة مسؤولة توازن بين التنمية الصناعية والحفاظ على الكوكب.
إن الجهود التي قادتها منظومة النقل السعودية، وبمتابعة حثيثة من معالي المهندس صالح الجاسر، تترجم الدعم اللامحدود من القيادة الرشيدة لهذا القطاع الحيوي. هذا الدعم هو المحرك الأساسي الذي جعل من المواني السعودية بوابات متطورة تخدم الاقتصاد العالمي، وجعل من الصوت السعودي مسموعاً ومؤثراً في صياغة مستقبل الصناعة البحرية.
ختاماً، نبارك للمملكة قيادةً وشعباً هذا الإنجاز المستحق.
إن فوز السعودية بهذا المقعد هو مكسب للمنطقة العربية وللاقتصاد العالمي، ودليل إضافي على أن "البوصلة" السعودية تتجه بثبات نحو المستقبل، وأن العالم يثق تماماً فيمن يمسك بدفة هذه القيادة.












