الثلاثاء 12 أغسطس 2025 06:54 صـ 17 صفر 1447 هـ
بوابة بالعربي الإخبارية
المحرر العام محمد رجب سلامة
×

لماذا يعجز الجيش الإسرائيلي عن فرض سيطرة كاملة على غزة رغم تفوقه العسكري؟

الأربعاء 6 أغسطس 2025 11:17 صـ 11 صفر 1447 هـ
الحرب في غزة
الحرب في غزة

رغم تفوقه العسكري الهائل، يواجه الجيش الإسرائيلي صعوبات كبيرة في فرض سيطرة شاملة ومستدامة على قطاع غزة، الذي لا تتجاوز مساحته 365 كيلومترًا مربعًا. هذا التحدي يكشف عن تعقيد المشهد في غزة، حيث تتداخل الأبعاد العسكرية مع السياسية والإنسانية، ما يجعل القوة المسلحة وحدها غير كافية لتحقيق أهداف استراتيجية بعيدة المدى.

يمتلك الجيش الإسرائيلي ترسانة متقدمة تشمل سلاح الجو، الدبابات، والاستخبارات الدقيقة، وقد نفذ سابقًا عمليات برية واسعة مثل "الرصاص المصبوب" (2008-2009) و"الجرف الصلب" (2014). إلا أن السيطرة الكاملة تصطدم بتحديات ميدانية شديدة التعقيد، أبرزها الكثافة السكانية العالية والبنية التحتية للأنفاق التي تتيح للفصائل الفلسطينية تنفيذ عمليات نوعية ضمن استراتيجية حرب العصابات.

غزة تمثل بيئة حضرية مغلقة، تمنح المقاتلين المحليين قدرة كبيرة على المناورة والاختباء واستنزاف الخصم، فضلًا عن امتلاك الفصائل الفلسطينية لصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى تواصل استهداف المدن الإسرائيلية حتى خلال العمليات البرية المكثفة.

السيطرة العسكرية لا تعني الانتصار الاستراتيجي

التجارب التاريخية تشير إلى أن السيطرة العسكرية على غزة، كما حدث بين عامي 1967 و2005، لم تمنع استمرار المقاومة بل أدت إلى تكاليف بشرية ومادية باهظة. فالمقاومة تستمد قوتها من البيئة الاجتماعية المحيطة التي تعاني من الفقر والبطالة والحصار، ما يجعل الاحتلال طويل الأمد استنزافًا مستمرًا للقوات والمقدرات الإسرائيلية.

أي سيطرة عسكرية موسعة ستقابل بتصعيد مستمر في الهجمات، وزيادة في الخسائر العسكرية، ما يضع الحكومة الإسرائيلية تحت ضغط الرأي العام الداخلي، الذي لا يدعم المغامرات العسكرية الممتدة دون أفق سياسي واضح.

عقبات سياسية ودبلوماسية تعيق العملية

سياسيًا، تواجه إسرائيل رفضًا دوليًا واسعًا لأي احتلال مباشر لغزة. الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان، وحلفاء رئيسيون كالاتحاد الأوروبي وحتى الولايات المتحدة، سيجدون أنفسهم مضطرين للضغط على تل أبيب في حال حدوث خسائر مدنية جسيمة أو أزمة إنسانية كبرى.

كما أن الإعلام العالمي سيكون سلاحًا بيد الفلسطينيين، حيث تسهم صور الدمار والمعاناة في تعزيز الرواية المناهضة لإسرائيل، ما قد يؤدي إلى مزيد من العزلة السياسية على الساحة الدولية.

الاحتلال سيعيد الأعباء الاقتصادية والأمنية

من الناحية الاقتصادية، تتطلب السيطرة على غزة موارد ضخمة، لا تقتصر على نشر القوات، بل تشمل إدارة قطاع مدني متهالك، وإعادة تأهيل بنية تحتية مدمرة، بما في ذلك الخدمات الصحية والتعليمية والمرافق الأساسية.

استراتيجيًا، يدرك صناع القرار في إسرائيل أن أي عملية لا ترتكز إلى حل سياسي طويل الأمد ستكون معرضة للانهيار. إذ لا يمكن القضاء على جذور المقاومة عبر السلاح فقط، ما لم يتم رفع الحصار وتحسين ظروف المعيشة في القطاع، ضمن إطار تسوية شاملة.

مقاومة مرنة تصعب المهمة

في المقابل، تعتمد الفصائل الفلسطينية على استراتيجية مرنة، تقوم على الصمود، واستنزاف القوات الإسرائيلية، وإطالة أمد الاشتباك. وتستفيد من الدعم الشعبي، ومن شبكة أنفاقها الواسعة، ومن قدرتها على إطلاق الصواريخ نحو العمق الإسرائيلي، ما يجعل السيطرة على القطاع مكلفة للغاية.

سياسيًا، تسعى المقاومة لتوظيف أي عملية عسكرية إسرائيلية لصالحها، من خلال تحريك الضغوط الدبلوماسية، واستقطاب الدعم الإقليمي والدولي، وتوسيع نطاق الصراع إلى مناطق أخرى مثل الضفة الغربية.

الموقف الإقليمي والدولي يزيد من تعقيد المشهد

إقليميًا، تتباين ردود الفعل بين دعم شعبي للمقاومة، وتوجهات حكومية حذرة في بعض الدول العربية تسعى للحفاظ على توازن علاقاتها الإقليمية. مصر مثلًا ستركز على تأمين حدودها وتجنب تدفق اللاجئين، فيما تلعب قطر وتركيا أدوارًا دبلوماسية محورية في التهدئة.

أما دول الخليج، فهي في موقف أكثر تعقيدًا، بين علاقات متنامية مع إسرائيل، وضرورة التجاوب مع الرأي العام العربي، ما يدفعها لاعتماد خطاب دبلوماسي دون الانخراط المباشر.

دوليًا، ستواجه إسرائيل انتقادات من منظمات دولية، وربما ضغوطًا من حلفائها الغربيين في حال استمرار العمليات لفترة طويلة أو تصاعد الخسائر المدنية. كما قد تستغل روسيا والصين الموقف لتعزيز نفوذهما في الشرق الأوسط عبر معارضة السياسة الأمريكية والإسرائيلية في المحافل الدولية.

موضوعات متعلقة