الثلاثاء 28 أكتوبر 2025 04:24 صـ 6 جمادى أول 1447 هـ
بوابة بالعربي الإخبارية
المحرر العام محمد رجب سلامة
×

«دافوس الصحراء» يكشف ريادة الرياض الجيو-اقتصادية

الإثنين 27 أكتوبر 2025 09:04 مـ 5 جمادى أول 1447 هـ
رائد الأعمال سامر شقير
رائد الأعمال سامر شقير

الرياض... من "دافوس الصحراء" إلى مركز القرار الجيو-اقتصادي العالمي

في زمنٍ تتشابك فيه التحديات الجيوسياسية والاقتصادية، وتتعقد خرائط النفوذ والمصالح، تبرز الرياض كمدينةٍ تُمسك بخيوط التوازن العالمي الجديد. فبينما تنشغل العواصم الكبرى بتداعيات الصراعات والأزمات، تتجه الأنظار بثبات نحو العاصمة السعودية التي باتت مركز ثقلٍ لا يمكن تجاوزه، ومختبراً فعلياً لصياغة معادلة «الاستقرار عبر التنمية».

انطلاق مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في نسخته الأخيرة ليس مجرد حدث اقتصادي ضخم، بل هو تجسيد حي لرؤية السعودية 2030، التي نجحت في تحويل الطموحات إلى مؤسسات، والأهداف إلى سياسات قابلة للقياس والنتائج.

هذا المؤتمر، الذي عُرف بـ«دافوس الصحراء»، تجاوز فعلياً حدود اللقب ليصبح منصة جيو - اقتصادية عالمية المستوى. فهو يجمع بين المال والتكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي والطاقة المستدامة، في لحظةٍ تاريخية يعاني فيها الاقتصاد العالمي من اهتزازات متسارعة؛ بدءاً من التوترات التجارية بين القوى الكبرى، مروراً بتقلبات أسعار الطاقة، ووصولاً إلى تحديات المناخ والتحولات التقنية العميقة.

في خضم هذه المعطيات، تبرز السعودية بوصفها استثناءً إيجابياً. فقد أثبتت قدرتها الفائقة على التكيّف والصمود في وجه الصدمات الدولية.

فالتحوّل البنيوي في الاقتصاد السعودي نحو الأنشطة غير النفطية، والمرونة الحكومية في مراجعة البرامج والمستهدفات عند الحاجة، يعكسان نضجاً مؤسسياً وجرأة في صنع القرار.

حين يقول ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إن «المصلحة العامة هي الهدف الأسمى، ولن نتردد في تعديل أو إلغاء أي برنامج إذا اقتضت الضرورة»، فإن هذا التصريح لا يُعدّ مجرد توجيه إداري، بل إعلان لفلسفة حُكم جديدة تُوازن بين الطموح والانضباط، وبين الرؤية والمرونة.

وهو ما يعكس إدراك القيادة السعودية بأن النجاح في القرن الحادي والعشرين لا يتحقق بالثبات على الخطة، بل بقدرة الدولة على إعادة صياغتها عند الحاجة دون فقدان البوصلة.

وهذه المرونة هي بالضبط ما يبحث عنه المستثمرون في عالم سريع التحول، إذ لا تُبنى الثقة على الأرقام وحدها، بل على وضوح الرؤية وقدرة الدولة على إدارة المتغيرات بثقة واقتدار.

لقد أصبح مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار جسراً فعلياً للسيولة العالمية نحو المنطقة، ومحطة استراتيجية للمستثمرين وصنّاع القرار لتحديد الاتجاهات المقبلة. وهو في الوقت نفسه منبر دبلوماسي ناعم، تُستخدم فيه لغة الاقتصاد لبناء الجسور السياسية وتعزيز المصالح المشتركة.

الاجتماعات التنسيقية التي شهدتها الرياض مؤخراً أكدت أن السعودية لم تعد تفصل بين التنمية والسياسة، بل تمزج بينهما ضمن رؤية تعتبر أن الاستقرار الإقليمي شرطٌ مُسبق للتنمية، وأن التنمية المستدامة هي الضمان الحقيقي للاستقرار.

وبذلك تثبت أن القوة الناعمة السعودية أصبحت امتداداً طبيعياً لقوتها الاقتصادية، في معادلة فريدة تجمع بين الاستثمار والدبلوماسية تحت مظلة واحدة.

إن العالم اليوم لا يبحث عن دولة غنية فقط، بل عن شريك موثوق يمتلك البصيرة والإرادة والمسؤولية العالمية. وهذا بالضبط ما تمثله الرياض في نسختها الجديدة: مركزاً لصنع الحلول لا مجرد متلقٍ لها.

ومع اتساع رقعة التأثير السعودي، وتنامي دور صندوق الاستثمارات العامة كلاعب مؤثر في الاقتصاد العالمي، تمضي المملكة بثبات نحو موقعها الطبيعي كأحد قادة الاقتصاد والدبلوماسية في القرن الحادي والعشرين.

لقد أثبتت الرياض أن القيادة ليست فيمن يملك الموارد، بل فيمن يُحسن توجيهها، وأن التنمية ليست تراكماً رقمياً فحسب، بل قوة سياسية ومعنوية تُعيد للعالم توازنه.

وفي لحظةٍ يكثر فيها القلق العالمي، تبرز السعودية كـ«صوت الأمل» في زمن الاضطراب، ترسم بخطى واثقة طريقاً جديداً للعالم، عنوانه: الاستقرار عبر التنمية، والازدهار عبر الشراكة.

وهكذا، ترسّخ الرياض موقعها ليس كعاصمة للمملكة فحسب، بل كعاصمة للمستقبل العالمي.

هذا برعاية