”الذهب الأزرق”.. كيف تعيد السعودية تعريف ”اقتصاد المياه” عالمياً؟
عندما تنطلق فعاليات "مؤتمر الابتكار في استدامة المياه 2025" في جدة الأسبوع المقبل، فإن العالم لا يأتي إلى المملكة العربية السعودية لمناقشة "أزمة" شح المياه فحسب، بل يأتي ليشهد ولادة مفهوم جديد كلياً تقوده الرياض ببراعة؛ وهو تحويل المياه من مجرد "خدمة أساسية" ومورد يُستنزف، إلى "صناعة استراتيجية" وقطاع استثماري واعد يُطلق عليه الاقتصاديون اليوم لقب "الذهب الأزرق".
في ضوء "رؤية السعودية 2030"، لم تعد قضايا المياه مجرد ملف بيئي، بل أصبحت ركيزة أساسية في الأمن الوطني والاقتصادي. وهذا التوجه يستند بوضوح إلى «الاستراتيجية الوطنية للمياه 2030»، التي رصدت استثمارات مليارية ضخمة لتطوير البنية التحتية وتعزيز الاستدامة، مما يجعل المملكة اليوم أكبر ورشة عمل عالمية لتطوير هذا القطاع.
إن القراءة المتأنية لمحاور المؤتمر تكشف عن تحول جوهري في الذهنية الاقتصادية؛ فنحن أمام أربع ركائز تضع المملكة في قلب معادلة الاقتصاد العالمي، وتنتقل من التنظير إلى التطبيق:
1. الاقتصاد الدائري للمياه: كسوق جاذبة لشركات الكيماويات النظيفة.
2. الرقمنة: عبر إدارة الشبكات الذكية وتحليل البيانات.
3. تكامل المياه والطاقة: والذي نراه واقعاً في مشاريع التحلية التي تعمل بالطاقة المتجددة لخفض الانبعاثات.
4. الاستثمار والتمويل: من خلال دخول الصناديق التنموية والبنوك لتمويل حلول إعادة الاستخدام ومعالجة المياه.
السعودية اليوم لا تكتفي بتحلية المياه، بل "تحلّي" فرص الاستثمار في هذا القطاع، جاذبةً رؤوس الأموال لتمويل مشاريع لم تكن تخطر على بال أحد قبل عقد من الزمن. وما يميز هذا الحراك هو الانتقال من مرحلة "استهلاك التقنية" إلى "إنتاج الابتكار"، حيث تعكس الأرقام التي سجلتها "الجائزة العالمية للابتكار في المياه" – بوجود 2570 ابتكاراً من 119 دولة – تحول المملكة إلى "مرصد عالمي" يحدد اتجاهات المستقبل.
كما أن ربط "مياهثون" كمنصة للمبتكرين والشركات الناشئة بهذا الحدث، يعكس جوهر الرؤية في تمكين الشباب، لخلق قطاع جديد بالكامل يرفد الناتج المحلي بعيداً عن النفط. يتزامن ذلك مع حراك دبلوماسي، مثل تأسيس "المنظمة العالمية للمياه"، ما يؤكد أن الرياض باتت "صانعة السياسات" الأولى لهذا القطاع.
ختاماً، ما سيحدث في جدة ليس مجرد مؤتمر عابر، بل إعلان سعودي صريح بأن مستقبل المياه لن يُرسم بالندرة، بل بالابتكار والاستثمار. وكما قادت المملكة أسواق الطاقة لعقود بامتياز، ها هي اليوم تمسك بزمام المبادرة لتقود "اقتصاد المياه" الجديد، ضامنةً استدامة الموارد ومحركةً لنمو الاقتصاد العالمي.












