سامر شقير يكتب عن الاستراتيجية السعودية لتطوير القطاع الصناعي
لقد تجاوزت المملكة العربية السعودية مرحلة التخطيط النظري لتدخل مرحلة التنفيذ الصناعي الطموح، مثبِتة للعالم أجمع أنها ليست مجرد قوة اقتصادية إقليمية، بل مركز عالمي لقيادة التنمية الصناعية المستدامة. إن ما نشهده اليوم من زخم يعكس إرادة صلبة لتحويل الموارد الهائلة إلى قاعدة تصنيعية متكاملة وقوية ومرنة، وهو الهدف المحوري للاستراتيجية الوطنية للصناعة.
الرياض تستضيف هذه الأيام أكبر تجمع صناعي عالمي، وهو المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو)، ما يؤكد الثقة الدولية في رؤية المملكة وقدرتها على تحقيق التقدم الصناعي الشامل. إن الأرقام تتحدث عن نفسها: فقد تجاوزت قيمة المشاريع الصناعية قيد التطوير حاجز *500 مليار دولار، وتستهدف المملكة إنشاء **36 ألف مصنع* بحلول عام 2035. هذه الأهداف الكمية تهدف لمضاعفة حجم الناتج الصناعي ليصل إلى 1.4 تريليون ريال بحلول عام 2035، وجذب تريليون ريال من الاستثمارات الجديدة.
التحول الصناعي ليس مجرد توسيع للعدد، بل هو قفزة نوعية نحو المستقبل.
تتجه المملكة بقوة نحو تعزيز قدراتها في مجالات التصنيع المتقدم والطاقة النظيفة، مع التركيز على *توطين صناعة السيارات* عبر تأسيس مصانع كبرى مثل "سير" و"لوسيد" و"هيونداي"، ومن المتوقع أن يضيف هذا القطاع وحده 24 مليار دولار إلى الناتج المحلي غير النفطي بحلول عام 2030، مع خلق أكثر من 30 ألف فرصة عمل. كما كُشف عن خطط لتطوير قدرات وطنية في مجالات نوعية جديدة بحلول 2030، تشمل الأقمار الصناعية التجارية، وتجميع الطائرات، والروبوتات، وحلول تخزين الطاقة.
إن هذا المستقبل لا يبنيه إلا الإنسان السعودي. الأولوية الآن هي لتمكين الشباب والمرأة، حيث يتم الاستثمار في إنشاء أكاديميات متخصصة، مثل الأكاديمية الوطنية الصناعية وأكاديمية صندوق التنمية الصناعية والأكاديمية الوطنية للسيارات والمركبات. يمثل الشباب السعودي، لا سيما أن نحو 60 في المائة من السكان تحت سن الـ35، مهندس مستقبل الصناعة الوطنية، خاصة في ظل تبني عناصر الثورة الصناعية الرابعة مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات. وقد أثمرت هذه الجهود عن مضاعفة مشاركة المرأة في القوى العاملة الصناعية في أقل من عقد.
في خضم الاضطرابات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، تبدو المملكة ملاذاً للفرص والاستقرار. وفيما تُربك السياسات الحمائية الدولية الاقتصاد العالمي، فإن المنتج السعودي، بميزته النسبية وقاعدته المتطورة، قد يجد في هذه التحديات فرصة لتعزيز تنافسيته داخل الأسواق الكبرى. إن موقع المملكة اليوم على مؤشر التنافسية العالمي، حيث صُنفت في المرتبة السابعة عشرة عالميًا والرابعة بين دول مجموعة العشرين، يؤكد جاهزيتها للانطلاق.
إن الاستراتيجية الصناعية السعودية هي في جوهرها جهد إنساني مشترك يتجاوز البعد الاقتصادي، ويهدف إلى تحويل الأفكار إلى أفعال، ورسم مستقبل صناعي مستدام يخدم أمن واقتصاد العالم. إنها رحلة تحويلية تجعل من الرياض منارة ليس فقط للموارد، بل للابتكار والتصنيع المتقدم.
مثل سفينة تحويلية عملاقة، لم تعد المملكة تعتمد فقط على الإبحار بالوقود الأحفوري، بل قامت بتركيب محركات هجينة عالية التقنية، موجهة بالكامل نحو وجهة جديدة من الصناعة المستدامة والذكاء الاصطناعي، وتقود طاقمها الوطني الشاب نحو المياه العالمية المفتوحة.












