آل العليان.. سيرةُ الوفاءِ في حضرةِ الإرثِ وعزيمةِ البناءِ
على وقعِ تقريرِ "بلومبيرغ" الأخيرِ (ديسمبر 2025)، الذي سلطَ الضوءَ على نفوذِ لبنى وحذام العليان بثروةٍ تقديريةٍ تتجاوزُ خمسينَ مليارَ دولارٍ، ودورهما الاستراتيجيِّ في ربطِ "وول ستريت" بالرياضِ؛ تعودُ تجربةُ سيداتِ العليان لتبرزَ كنموذجٍ استثنائيٍّ في "بِرِّ الوالدِ" عبرَ رعايةِ إرثِهِ، وصونِ أمانتِهِ، وتحويلِ اسمِ العائلةِ إلى مدرسةٍ عالميةٍ في الحوكمةِ والقيمِ. وفي خضمِّ هذا الاهتمامِ المتجددِ، نجدُ أنَّ خلفَ الكياناتِ الاقتصاديةِ الكبرى حكاياتٍ تتجاوزُ حدودَ الربحِ والخسارةِ؛ لتستقرَّ في وجدانِ "البيتِ السعوديِّ" الأصيلِ.
إنها قصةٌ بدأت من قيمِ الشيخِ سليمان العليان -رحمهُ اللهُ-، الذي لم يورث بناتِهِ أسهماً وعقاراتٍ فقط، بل أودعهنَّ منهجاً في الاستقامةِ، والأنفةِ، والعملِ الدؤوبِ.
لبنى.. ابنةُ الأصولِ وعقلُ المؤسسةِ
لم تكن لبنى العليان، حين دخلت ميدانَ العملِ، تبحثُ عن وجاهةِ المنصبِ؛ فقد استمدت وجاهتَها من تاريخِ والدِها ومن ثقتِها بنفسِها. قادت «شركة العليان للتمويل» لأكثرَ من ثلاثةِ عقودٍ بروحِ القائدِ الذي يجمعُ بين الحزمِ والمودةِ. لقد آمنت لبنى بأنَّ العملَ أمانةٌ، وأنَّ الموظفَ شريكٌ في النجاحِ؛ لذا كانت مجموعتُها من أوائلِ الشركاتِ التي احتضنت الكفاءاتِ الوطنيةَ وهيأت لهم بيئةً كريمةً للنموِّ.
وحين تشرفت برئاسةِ مجلسِ إدارةِ «البنك السعودي الأول» (SAB)، لم يكن ذلك مجردَ كسرٍ لنمطٍ سائدٍ، بل كان اعترافاً بقدرةِ المرأةِ السعوديةِ على قيادةِ أضخمِ الاندماجاتِ المصرفيةِ بوقارٍ وحكمةٍ، بعيداً عن صخبِ الاستعراضِ، وقريباً من لغةِ الإنجازِ الرصينِ.
الشقيقاتُ.. ميثاقُ العائلةِ وطموحُ الوطنِ
وفي تجربةِ سيداتِ العليان، نلمسُ تكاملاً ينمُّ عن تربيةٍ قوامُها التلاحمُ. فبينما كانت لبنى تديرُ الدفةَ في الداخلِ، كانت حذام العليان تمثلُ الوقارَ السعوديَّ في المحافلِ الدوليةِ من نيويورك. حذام، التي تتبوأُ مقاعدَ الإدارةِ في مؤسساتٍ عالميةٍ كبرى مثل «مورغان ستانلي» و«بروكفيلد»، تقدمُ صورةً مشرفةً للابنةِ التي تحملُ قيمَ بلادِها إلى أعرقِ دوائرِ المالِ في العالمِ.
أما حياة العليان، فقد ظلت الركنَ الهادئَ والصلبَ في مجلسِ الإدارةِ، حارسةً لقيمِ الحوكمةِ والاستقرارِ، وضامنةً لانتقالِ هذا الإرثِ العظيمِ بين الأجيالِ بذاتِ النقاءِ الذي بدأَ بهِ المؤسسُ. إنهنَّ شقيقاتٌ آمنَّ بأنَّ قوةَ الكيانِ تبدأُ من وحدةِ الصفِ وتوافقِ الرؤيةِ.
التحفظُ الرزينُ.. فلسفةُ الاستدامةِ
إنَّ ما يميزُ مسيرةَ هؤلاءِ السيداتِ هو منهجيةُ «التحفظِ الرزينِ»؛ فلا اندفاعَ خلفَ المغامراتِ غيرِ المحسوبةِ، ولا تفريطَ في مكتسباتِ العقودِ. هذه الفلسفةُ هي التي جعلت من اسمِ العائلةِ مرادفاً للثقةِ لدى كبارِ المستثمرينَ العالميينَ. وحين نرى استثماراتِهنَّ في كياناتٍ مثل «بلاك روك» أو «جيه بي مورغان»، ندركُ أنَّ المسألةَ تتعدى كَوْنَها استثماراً ماليّاً، بل هي بناءُ جسورٍ صلبةٍ بين الاقتصادِ الوطنيِّ والآفاقِ العالميةِ.
أثرٌ باقٍ.. الإنسانُ أولاً
إنَّ الأنسنةَ الحقيقيةَ لهذهِ المسيرةِ تظهرُ في «مؤسسةِ سليمان العليان الخيريةِ»؛ حيثُ يتحولُ الوفاءُ للأبِ إلى عطاءٍ للوطنِ. مئاتُ المنحِ الدراسيةِ، ورعايةٌ صحيةٌ شملت مئاتِ الآلافِ، ليست مجردَ بنودٍ في تقاريرِ المسؤوليةِ الاجتماعيةِ، بل هي دعواتٌ صادقةٌ تُرفعُ للمؤسسِ، وأثرٌ طيبٌ يغرسُهُ بناتُهُ في أرضِ المملكةِ؛ لتكونَ الثمرةُ جيلاً متعلماً ومجتمعاً معافى.
خاتمةُ القولِ
إنَّ سيرةَ لبنى العليان وشقيقاتِها هي مدرسةٌ في كيفيةِ إدارةِ التحولاتِ الكبرى بهدوءِ الواثقينَ. لقد أثبتنَ أنَّ التمسكَ بالتقاليدِ لا يعيقُ الوصولَ إلى العالميةِ، وأنَّ بِرَّ الآباءِ يمتدُّ ليكونَ رفعةً للأبناءِ ونهضةً للأوطانِ في ظلِّ رؤيةِ المملكةِ 2030.
سيداتُ العليان.. لسنَ مجردَ أسماءٍ في عالمِ المالِ، بل هنَّ عنوانٌ للرقيِّ الإنسانيِّ والنجاحِ الوطنيِّ، ودرسٌ بليغٌ في أنَّ "الأصلَ الطيبَ" هو الذي يثمرُ دائماً عزةً وبناءً.












