سامر شقير يكتب: قطار الرياض والقدية.. ملامح النهضة السعودية الجديدة
لا يمكن لمن يحلل المشهد الاقتصادي السعودي اليوم إلا أن يلحظ تحولاً جذرياً في فلسفة إدارة الموارد وبناء المستقبل؛ فالمملكة لم تعد تكتفي برسم الرؤى، بل انتقلت إلى مرحلة «القطاف الاستثماري» لكل ما تم زرعه في العقد الماضي. في المؤتمر الصحفي الحكومي الأخير، الذي جمع معالي وزير الإعلام سلمان الدوسري وسعادة العضو المنتدب لشركة القدية عبدالله الداود، برزت أرقامٌ تضعنا أمام «هوية» اقتصادية سعودية جديدة؛ عنوانها الدقة التقنية، والتنوع الاستثماري، والريادة العالمية.
الانضباط الرقمي.. المحرك الصامت للاقتصاد
من منظور استثماري، لفت انتباهي النمو الهائل في قطاعات المستقبل؛ فنمو أنشطة الذكاء الاصطناعي بنسبة 35% وصناعة الألعاب الإلكترونية بنسبة 23% في الربع الأخير من عام 2025، هو برهانٌ قطعي على أن السعودية باتت الميدان الأرحب للاقتصاد الرقمي. إن وصول المملكة إلى المركز الثاني عالمياً في الحكومة الرقمية يعزز من «سهولة ممارسة الأعمال»، وهو العامل الأهم الذي يبحث عنه المستثمر الدولي لضمان الشفافية والسرعة.
وعلى مستوى البنية التحتية، يبرز قطار الرياض كقصة نجاح استثنائية بنسبة التزام وصلت إلى 99.8% منذ تشغيله، واستقباله لـ 120 مليون راكب؛ فهذا الانضباط ليس مجرد رقم تشغيلي، بل هو انعكاس لجودة الحياة التي ترفع من القيمة السوقية للعاصمة الرياض كوجهة أعمال عالمية.
القدية: عاصمة الترفيه التي ستضخ 135 ملياراً
أما مشروع القدية، فهو يتجاوز كونه وجهة سياحية؛ ليصبح محركاً مالياً ضخماً يستهدف رفد الناتج المحلي الإجمالي بـ 135 مليار ريال. إن إعلان افتتاح Six Flags في 31 ديسمبر القادم كباكورة لافتتاح 70 أصلاً استثمارياً، يؤكد أن مدينة القدية باتت واقعاً ملموساً.
أرقام ومستهدفات استثمارية في القدية:
* البنية التحتية: انتهاء المرحلة الأولى وتسارع الأعمال في 7 أصول رئيسية.
* السياحة الفندقية: استهداف افتتاح 20 فندقاً عالمياً في الفترة المقبلة.
* المنشآت الرياضية: جاهزية استاد الأمير محمد بن سلمان لاستضافة مباريات مونديال 2034.
* التأثير الجماهيري: وصول صدى «القدية» للجمهور العالمي 27 مليار مرة يعكس قوة العلامة التجارية للمشروع قبل اكتماله.
الشفافية وسوق العمل.. معايير النجاح
إن ما يمنح الاقتصاد السعودي ثقلاً إضافياً هو مبدأ «المحاسبة والشفافية»؛ فتصريح وزير الإعلام بشأن تأجيل الرحلات في مطار الرياض والاعتراف بالخطأ، يؤكد أن الجودة هي المقياس الأول. كما أن التوجه نحو التعليم المتخصص، مثل إطلاق «مدرسة الموهوبين الإعلاميين»، يضمن استدامة الكفاءات التي ستدير هذه المشاريع المليارية في المستقبل.
خلاصة القول
إن السعودية في 2025 تقدم نموذجاً عالمياً في كيفية تحويل الطموح السياسي إلى واقع اقتصادي رصين. إننا أمام مرحلة تاريخية يكون فيها «الاستثمار في الإنسان والتقنية» هو النفط الجديد للمملكة؛ مما يجعل من الرياض والقدية مراكز ثقل عالمية لا يمكن تجاوزها في أي خارطة استثمارية دولية.












