من الاستثناء إلى النظام.. كيف تغيرت قواعد الملكية العقارية لغير السعوديين؟

في خطوة لافتة تعكس توجّه المملكة نحو جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، أقر مجلس الوزراء السعودي نظاماً جديداً يتيح لغير السعوديين – من أفراد وشركات – تملك العقارات داخل البلاد. القرار، الذي صدر في يوليو 2025، يُعد نقلة نوعية في سياسات التملك العقاري، بعد عقود من القيود الصارمة التي حصرت الملكية بالمواطنين وبعض المقيمين بشروط محددة.
نقلة استراتيجية لتعزيز الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل
يأتي هذا التغيير ضمن رؤية المملكة 2030، التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط.
ويهدف القرار الجديد إلى تنشيط السوق العقارية عبر فتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتعزيز مشاريع التنمية الحضرية، لاسيما في مدن رئيسية مثل الرياض، جدة، والدمام، بالإضافة إلى مناطق ذات طابع خاص كمكة والمدينة المنورة، مع فرض ضوابط محددة في الأخيرة.
وبحسب الهيئة العامة للعقار، فإن النظام الجديد يشمل اشتراطات تتعلق بنوع العقار، وموقعه، والنطاق الجغرافي المسموح بالتملك فيه، مما يمنح الدولة القدرة على توجيه الاستثمارات إلى مناطق ذات أولوية.
العوامل الدافعة.. تحديات سكانية واقتصادية
تواجه السعودية جملة من التحديات، أبرزها النمو السكاني السريع وارتفاع الطلب على الإسكان، إلى جانب الحاجة إلى تعزيز الإيرادات غير النفطية.
يعيش في المملكة نحو 13.4 مليون أجنبي، يشكلون قرابة 38% من إجمالي السكان، كثير منهم من ذوي الدخول المتوسطة والعالية، ما يجعلهم شريحة محتملة للاستثمار العقاري طويل الأجل.
القطاع العقاري بات يشكل ما يقارب 14% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2024، بحسب الهيئة العامة للعقار، وسط توقعات بزيادة هذه النسبة خلال الأعوام المقبلة بفعل القرارات الأخيرة.
تأثير مباشر على السوق العقارية.. بين الفرص والمخاوف
من المتوقع أن يُحدث القرار تحريكاً فعّالاً في سوق العقارات السعودية، خاصة في فئات الشقق الفاخرة والمكاتب التجارية التي شهدت ركوداً نسبياً. دخول الأجانب كمشترين مباشرين من شأنه أن يرفع الطلب، خصوصاً في المدن الكبرى ومشاريع مثل نيوم، والدرعية، والقدية.
في الرياض مثلاً، ارتفعت أسعار العقارات السكنية بنسبة 8.6% في عام 2024، وسط توقعات باستمرار الزيادة السنوية بمعدل يتراوح بين 8% و10% حتى 2026. وتتراوح أسعار الشقق في بعض الأحياء الراقية بين 6600 و10500 ريال للمتر، في حين تصل أسعار الفلل في مناطق مثل حطين والملقا إلى 13500 ريال للمتر.
مخاوف من تضخم الأسعار وفجوة في القدرة الشرائية
رغم الإيجابيات، أبدى خبراء مخاوفهم من أن تؤدي الزيادة المحتملة في الطلب إلى ارتفاع أسعار العقارات بشكل أكبر، ما قد يزيد الفجوة بين أسعار السوق وقدرة السعوديين على الشراء.
تُظهر البيانات أن نحو ثلثي السعوديين يفضلون شراء منازل لا تتجاوز قيمتها 1.5 مليون ريال، بينما متوسط سعر الفيلا في الرياض بلغ 2.28 مليون ريال، وهو ما يتجاوز بكثير متوسط دخل الفرد السعودي السنوي (122 ألف ريال).
كما أن تملك المنازل في العاصمة لا يزال دون المتوسط الوطني، حيث يبلغ 53.2% مقارنة بـ63% على مستوى المملكة.
الإقامة المميزة.. أداة جذب إضافية
لزيادة جاذبية الاستثمار، أطلقت السعودية برامج "الإقامة المميزة" التي تمنح الأجانب الحق في الإقامة مقابل تملك عقار سكني لا تقل قيمته عن 4 ملايين ريال. وقد سجلت أكثر من 25,600 طلب خلال عام واحد، مما يدل على تصاعد الاهتمام بالعقار السعودي، لاسيما في الرياض وجدة ومكة.
ورغم ذلك، يشير خبراء إلى أن التطبيق العملي للقرار ما زال يواجه تحديات مثل ضعف الوعي بالإجراءات، وندرة المشاريع التي تسمح بالتملك الحر، وهي عناصر تعمل الدولة على تحسينها من خلال التشريعات والتنظيمات الجديدة.
تجارب دولية.. النموذج التركي كمثال
التجربة التركية تُعد واحدة من النماذج القريبة، إذ سمحت تركيا منذ سنوات للأجانب بتملك العقار ومنحت الجنسية مقابل استثمار عقاري بقيمة 400 ألف دولار، ما ساهم في تدفق استثمارات تجاوزت 13 مليار دولار في 2022. لكن في المقابل، ارتفعت أسعار العقارات في المدن الرئيسية بوتيرة سريعة، خاصة في إسطنبول وأنقرة، ما خلق ضغوطاً على المشترين المحليين.
الفرص كبيرة والتحديات حاضرة
القرار السعودي بفتح سوق العقارات أمام غير السعوديين يمثل خطوة جريئة وطموحة نحو تعزيز الاقتصاد وتنويع الاستثمارات. ومع ذلك، فإن نجاحه سيعتمد على توازن دقيق بين جذب الاستثمارات الأجنبية، وتوفير احتياجات السكان المحليين، ومراقبة الأسعار، وتوسيع المعروض السكني بما يلائم جميع الفئات.
يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع السعودية إدارة هذا الانفتاح العقاري الكبير دون أن تتعرض سوقها لتضخم سعري مفرط؟ الأيام القادمة ستجيب.