حزمة قرارات حكومية تضبط أسعار الأراضي والإيجارات بالسعودية

يشهد القطاع العقاري السعودي تحولاً نوعياً نحو مرحلة أكثر استقراراً وتنظيماً، في إطار حزمة من الإصلاحات الحكومية الهادفة إلى تعزيز الشفافية وتحقيق التوازن بين العرض والطلب، ودعم فرص تملك السكن للأسر السعودية، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 لبناء اقتصاد متنوع ومستدام.
وتتركز الجهود الحالية، خصوصاً في العاصمة الرياض، على ضبط الأسعار، وتنظيم سوق الإيجارات، وتفعيل برامج رسوم الأراضي البيضاء، في خطوة تعكس حرص القيادة على معالجة الاختلالات التي شهدتها السوق خلال السنوات الماضية، وضمان بيئة عقارية آمنة ومستقرة للمواطنين والمستثمرين على حد سواء.
إصلاحات لتعزيز التوازن والشفافية
كانت توجيهات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مارس الماضي نقطة تحول محورية في مسار القطاع العقاري، حيث شملت حزمة من القرارات لتنظيم سوق العقار في مدينة الرياض، ومعالجة ارتفاع الأسعار والإيجارات، من خلال تعزيز الشفافية وحماية حقوق المستأجرين والمستثمرين.
وفي هذا الإطار، أطلقت وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان في أغسطس نطاقات رسوم الأراضي البيضاء الجديدة داخل الرياض، تنفيذًا لتوجيهات القيادة الرامية إلى مكافحة الاحتكار ورفع المعروض من الأراضي المطورة داخل النطاق العمراني، ما يسهم في تنشيط حركة التطوير والبيع والشراء.
كما دخلت اللائحة التنفيذية لتنظيم الدعم السكني حيز التنفيذ، محددةً معايير دقيقة لتقييم طلبات الدعم وتحديد الأولويات بناءً على نظام النقاط، في خطوة تعزز كفاءة التوزيع وتضمن عدالة الوصول إلى المنتجات السكنية.
ضبط سوق الإيجارات وتقييد الزيادات
وفي خطوة نوعية لضبط سوق الإيجارات، وجّهت القيادة في سبتمبر الماضي ببدء تنفيذ تنظيمات جديدة في الرياض تمنع أي زيادات سنوية على الإيجارات لمدة خمس سنوات للعقود القائمة والجديدة، مع اعتماد التجديد التلقائي للعقود كقاعدة عامة في جميع مدن المملكة.
كما تم إلزام توثيق جميع العقود عبر منصة "إيجار"، في إطار جهود رفع الشفافية وضمان حقوق الأطراف كافة، والحد من النزاعات العقارية.
تحفيز التطوير والإنتاج السكني
من جانب آخر، أعلنت الهيئة الملكية لمدينة الرياض رفع الإيقاف عن أراضٍ غرب العاصمة بمساحة تتجاوز 33 كيلومترًا مربعًا، ما يتيح لملاك الأراضي حرية التصرف بالبناء والبيع والتطوير وفق الكود العمراني لمنطقة وادي حنيفة، في خطوة من شأنها زيادة المعروض العقاري وتسريع التنمية الحضرية في العاصمة.
وفي سياق متصل، أكد خالد المبيض، الرئيس التنفيذي لشركة "منصات" العقارية، أن السوق السعودية تشهد تحوّلاً نوعياً في سياسات الدعم السكني، حيث لم يعد مقتصراً على التمويل المباشر، بل أصبح منظومة شاملة تضمن ألا يتجاوز القسط الشهري 33% من دخل الأسرة، مع طرح منتجات متنوعة تناسب القدرات الشرائية المختلفة.
وأشار إلى أن السياسات الجديدة أسهمت في تقليص فجوة التملك، لكنها تتطلب زيادة المعروض السكني بأسعار معقولة لتحقيق توازن مستدام.
توجه نحو الإيجار المؤسسي والرقمنة
وتوقّع المبيض أن تتجه السوق خلال السنوات الخمس المقبلة نحو الإيجار المؤسسي والتملك الميسر، مع تنامي دور المنصات الرقمية في ضبط السوق وتحقيق الشفافية، مشيراً إلى أن دخول مطورين كبار ومبادرات مثل “منصة التوازن العقاري” سيسهم في رفع جودة المشاريع واستقرار الأسعار.
وأضاف أن المرحلة المقبلة ستشهد تحوّلاً من الاستثمار الفردي إلى المؤسسي، مع تركيز المستثمرين على تطوير منتجات تلبي احتياجات الأسر السعودية، بدلاً من المضاربات قصيرة الأجل، لافتاً إلى أن البيئة التنظيمية الحالية تعد من الأكثر جذباً في المنطقة.
دعم سكني وتنمية مستدامة
من جانبه، أوضح الدكتور حسين العطاس، المستشار المالي والاقتصادي، أن سياسات الدعم السكني الحالية رفعت نسب التملك إلى مستويات غير مسبوقة، بفضل التمويل المدعوم وتنوع المنتجات السكنية.
وأشار إلى أن التحدي الأكبر حالياً هو ضبط أسعار الإيجارات، عبر زيادة المعروض وتنويع المنتجات بما يتناسب مع قدرات متوسطي الدخل، مؤكداً أن القطاع أصبح ركيزة أساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ليس فقط في الجانب السكني، بل في تحسين جودة الحياة وكفاءة الطاقة والاستدامة البيئية.
وتوقع العطاس أن تشهد السوق مرحلة من الاستقرار والنضج خلال السنوات المقبلة، بدعم من مشاريع المدن الجديدة والضواحي المتكاملة، واعتماد تقنيات بناء حديثة تخفّض التكاليف وترفع الكفاءة، مؤكداً أن انفتاح السوق أمام الاستثمارات الأجنبية سيُسهم في إدخال تقنيات متطورة وتعزيز تنافسية القطاع.