شيركو حبيب يكتب: تداعيات الحرب الإسرائيلية الإيرانية على الشرق الأوسط

اندلعت الحرب الإسرائيلية الإيرانية في توقيت عصيب وظروف صعبة تمر بها منطقة الشرق الأوسط، حيث عدم الاستقرار و التنافر في العلاقات وعدم التفاهم بين أقطاره، بجانب الأزمات الداخلية لشعوبها، ناهيك عن القضية الأزلية وهي قضية فلسطين.
خلال هذه الحرب؛ خرجت التهديدات بين إسرائيل وإيران عن المألوف، من حرب جبهات إلى حروب التكنولوجيا و الصواريخ العابرة للقارات وهي أكثر فتكا و إضرارا بالأرواح و البنية التحتية، ونتجت عنها أضرار اقتصادية واجتماعية وأمنية بدول أخرى، تبدو في صور انتهاك المجال الجوي للبلدان و إغلاق المطارات و المنافذ الحدودية وتعطل حركة التجارة وارتفاع أسعار النفط.
بدأ الصراع بين هاتين القوتين منذ ظهور الإمام الخميني الذي رفع شعار "الموت لأمريكا و الصهيونية" ، ورغم هذه العداءات ظلت العلاقات بين مد و جزر، وخلالها تم تبادل الاتهامات، ومنذ سنوات كانت هذه الحرب قاب قوسين أو أدنى ، ينتظرها العالم والعالم في أي لحظة، ربما عجلت بها أحداث 7 أكتوبر من العام 2023، وتعامل تل أبيب مع حزب الله اللبناني والتخلص من قياداته واغتيال مسؤولين فلسطينيين منتمين إلى حماس في طهران، واتبعت إيران سياسة رد الفعل مكتفية بمسيرات تستهدف إسرائيل، رغم إدراك كل الخبراء العسكريين أن الانتصار دوما يحالف من يبدأ بضرب عدوه ويفاجئ جيشه وقواعده، فظلت طهران متبعة ذات النهج الذي أفقدها توازنها تباعا، خاصة وأنها ظهرت دون دفاعات جوية فاعلة وفعالة.
البعض يشبه هذه الحرب بليالي الجحيم بين ألمانيا وبريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية، ويقول مراقبون إنها حرب استنزاف وتكسير عظام حقيقية، وأن البقاء فيها إلى نهاية المعركة يتوقف على القدرات العسكرية والسند الاقتصادي والتأييد الشعبي والدعم الدولي لكل طرف، و حسب التقديرات الأولية للأيام الأولى فإن الحرب تكلف نحو مليار دولار يوميا من الخسائر لكل طرف في النزاع، وهي أكثر لدى إيران التي تتكبد خسائر ضخمة في البنى التحتية الحربية، التي أنفقت عليها مئات المليارات من الدولارات على مدى سنوات.
الحرب مهما كانت نتائجها فهي دمار وخراب وحصد للأرواح، لا رابح فيها وإن انتهت بنصر عسكري، فأرواح البشر كنوز لا تعوضها السيطرة على الدنيا كلها لأي قوى.
حتى الآن ليست هناك أية بوادر لإيقاف الحرب رغم أن الدولتين ترغبان في ذلك ولكن لن تصرح إحداهما علنا برغبتها، فكل منهما تكابر على خطأ في تقديرها قوة الأخرى ، فإسرائيل كانت تعتقد بأن قصف بعض الصواريخ مع عدة طلعات جوية ستجبر إيران على الاستسلام نظرا للظروف الاقتصادية التي تمر بها والحصار الأمريكي والدولي عليها، وهذا خطأ كبير في تقدير الموقف استدعى طلب دعم أمريكي مباشر مغطى بتدخلات دبلوماسية أوروبية تدين ما يقال بأنه امتلاك إيراني للسلاح النووي.
كذلك إيران؛ كانت تعتقد بأن قصفها لإسرائيل أن تل أبيب تعرف قوة طهران وأنها ستطالب بوقف إطلاق النار، لكن إيران طلبت من دول الخليج للضغط على أمريكا لحث إسرائيل على وقف الهجمات، وأبدت مرونة حول موقفها النووي والتعامل الدولي معه.
حضرت أخيراً تصريحات الحكومة الأمريكية بأن الرئيس ترامب سيقرر بعد أسبوعين موقفه من التدخل في الحرب لصالح إسرائيل، وهذه دلالة على أن الحرب مستمرة إلى أمد غير معلوم، و في حالة مشاركة أمريكا في الحرب؛ رغم أنها مشاركة بإعطاء المشورة و الأسلحة لإسرائيل ، وقد حدث صباح اليوم بضربة أمريكية صريحة استهدفت منشآت نووية حسب ترامب ستثير ردود أفعال إيرانية وإقليمية واسعة، وعليها ربما ستكون مواقف روسيا و الصين صريحة معلنة في شأن دعم إيران، أما روسيا فهي بلا موقف واضح متحدثة أكثر عن الوساطة المحتملة لها مؤكدة في الوقت نفسه أنها وساطة قد تكون غير مرحب بها، وسر هذا الموقف يكمن في علاقاتها مع إسرائيل.
كان الأجدر أن تتعلم إسرائيل من دروس الماضي لتدرك أن إيران ليست سهلة، وأن تتذكر حرب الثماني سنوات مع العراق لتتأكد أن ايران صبرها طويل، وقادرة على استنزاف عدوها عسكريا واقتصاديا، وبالتالي تفهم أن نشاط أذرع إيران في المنطقة سيجعل تل أبيب تحارب على جبهات عدة، ولن ينقذها سوى تدخل عسكري خارجي كبير في المنطقة، يجعل هذه الأذرع عديمة التأثير في المواجهة المباشرة بين تل أبيب وطهران.
المخاطر و المخاوف تزداد يوما بعد يوم و ساعة بعد ساعة جراء استمرار الحرب، القتل و التشريد وهدم البنية التحتية سيحول المنطقة كلها إلى حالة الركود والكساد، مع تزايد المخاوف من مستقبل مجهول لها وشعوبها، ومن ثم احتمالات تزايد أزمات اقتصادية عالمية أثرت على بقاع أخرى في العالم بفعل الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة منذ سنوات دون توقف، خاصة وأن الشرق الأوسط منطقة ثراء نفطي ومحور حركة التجارة العالمية.
إن إشعال الحرب سهل جدا، لكن من الصعب إيقافها، فكما قال وينستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق "إن الحرب تتوقف عندما تكبر"، وقد كبرت بالفعل، وتتسع بالنظر إلى بقاع الأرض شمالا وجنوبا، فلا بقعة منها بلا سخونة، ولا استقرار تام لشعب على أرضه دون تأثر بما يدور حوله، وهكذا الشرق الأوسط؛ تجني دوله تداعيات الصراع المسلح، وتمتد آثارها لعقود طويلة مقبلة.