الثلاثاء 30 سبتمبر 2025 11:30 مـ 7 ربيع آخر 1447 هـ
بوابة بالعربي الإخبارية
المحرر العام محمد رجب سلامة
×

مفترق طرق جديد في الرياض.. من أثير النفط الأسود إلى ريادة المال الأخضر

الثلاثاء 30 سبتمبر 2025 02:47 مـ 7 ربيع آخر 1447 هـ
سامر شقير
سامر شقير

​في الرياض، عاصمة المملكة، تدور الآن واحدة من أذكى القصص الاقتصادية في العالم، لكنها لا تُروى بالطرق التقليدية.

المدينة التي كانت يومًا مرادفة للنفط، باتت اليوم تعيد تعريف نفسها كلاعب رئيسي في عالم "المال الأخضر"، حيث تتحول الطاقة من مصدر خام إلى أداة تمويل للمستقبل.

والمفارقة أن هذا التحول لا يعني القطيعة مع الماضي، بل استخدامه كرافعة استراتيجية لضبط مسار التنمية.

​العالم لا يخفي وجهته. هناك انتقال واضح ومدروس بعيدًا عن النفط كمصدر أول للطاقة. والسعودية، التي شكّل النفط عمودها الفقري لعقود، لم تتأخر لحظة في فهم هذا التحول.

على العكس، لم تنتظر المملكة حتى تُفرض عليها اللحظة؛ بل قررت أن تكتب نهايتها بيدها، وتحولها إلى بداية مختلفة تماماً، تعتمد على الذكاء الاقتصادي لا على التكرار.

​هذا ما يجعل اختيار بنك "جيه بي مورجان" إطلاق رحلته الاستثمارية الخاصة بتحول الطاقة من الرياض تحديدًا، لحظة فارقة تتجاوز الرمزية. أكبر البنوك الاستثمارية في العالم لم يختر لندن أو نيويورك لهذه المهمة، بل اختار عاصمة دولة منتجة للنفط.

هذا الاختيار ليس متناقضاً بقدر ما هو تأكيد عالمي على أن خطط السعودية في الطاقة النظيفة والاستثمار المستدام، باتت من الأكثر جدية وقابلية للتمويل على المستوى الإقليمي. لم تعد الرياض مجرد عاصمة لإنتاج الطاقة، بل أصبحت مركزاً لتوجيه تمويلات تحول الطاقة العالمي.

​الذكاء السعودي يكمن في إدراك أن التخلص من النفط ليس قدرًا حتميًا بقدر ما هو مسار قابل للإدارة. وبدلًا من القفز إلى المجهول، اختارت المملكة أن تستخدم النفط نفسه كأداة تمويل رئيسية.

عوائد "الزيت" اليوم تُعاد توجيهها إلى صناديق سيادية تستحوذ على شركات تكنولوجيا وألعاب رقمية، وتمول مشاريع سياحية خضراء، وطاقة شمسية، وبنية تحتية ذكية. إنه نهج لا يُنهي عصر النفط فجأة، بل يجعل من كل برميل أخير جسرًا نحو المستقبل المعرفي.

​الرياض، اليوم، لا تتحدث فقط عن التنويع الاقتصادي، بل تمارسه بعمق.. ما نشهده هو انتقال في طريقة التفكير الاقتصادي ذاتها: من اقتصاد يعتمد على المورد، إلى اقتصاد يعتمد على إدارة المورد. من اقتصاد ينتج الطاقة، إلى اقتصاد يُنتج أفكاراً حول تمويلها وتطويرها وتصديرها بمعايير جديدة.

وفي هذا المفترق، تبدو المملكة هادئة وواثقة؛ فهي لا تخاف من نهاية النفط، بل تستخدمه ليكون بداية حقيقية لنفوذ من نوع جديد.

​هذه ليست مجرد قصة تحوّل اقتصادي. إنها قصة وعي استراتيجي عميق يتعامل مع المتغيرات لا كأزمات، بل كفرص لإعادة التموضع. قصة تُظهر أن السعودية لا تنتظر العالم ليتغير، بل تقود هي دفة التغيير من مركزها الجديد: الرياض.

موضوعات متعلقة