العملات المشفرة تحت مجهر الرقابة العالمية.. مخاوف من تهديدها للاستقرار المالي والنقدي

بعد ثلاثة أشهر فقط من إصدار الولايات المتحدة أول تشريع يُنظّم العملات الرقمية المستقرة، تصاعدت المخاوف الدولية بشأن التأثيرات المحتملة لهذه العملات على الاستقرار المالي العالمي، وهو ما بدا جليًا خلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي في واشنطن هذا الأسبوع.
"العملات المستقرة حديث الساعة"
بهذه الكلمات وصف إريك ثيدين، رئيس لجنة بازل للرقابة المصرفية، الوضع الحالي في تصريحات على هامش الاجتماعات، مشيرًا إلى الأهمية المتزايدة التي تكتسبها هذه العملات على أجندة صانعي السياسات المالية حول العالم.
وكان صندوق النقد الدولي قد صنّف العملات المستقرة، في تقريره نصف السنوي الأخير عن الاستقرار المالي، كأحد أبرز مصادر "المخاطر النظامية المحتملة"، رغم ما توحي به من أمان نظرًا لارتباطها بأصول تقليدية مثل سندات الخزانة الأمريكية بنسبة 1 إلى 1.
"أمان ظاهري ومخاطر عميقة"
ورغم أن العملات المستقرة تبدو محمية من التقلبات نظرًا لدعمها بأصول عالية السيولة، إلا أن صندوق النقد حذر من انعكاسات محتملة على الأسواق المالية، أبرزها ما يُعرف بـ"البيع بأسعار بخسة" في حال حدوث اندفاع مفاجئ لشراء هذه العملات، وهو ما قد يؤدي إلى اضطراب في أسواق السندات الحكومية، وتأثير غير مباشر على ودائع البنوك التقليدية.
كما حذر التقرير من أن سحب السيولة من النظام المصرفي نحو محافظ العملات المستقرة يمكن أن يُضعف قدرة البنوك على الإقراض، وهو ما قد يضرب أساس النمو الاقتصادي.
بريطانيا تتأنى في رفع القيود
في هذا السياق، أكدت سارة بريدن، نائبة محافظ بنك إنجلترا، أن بلادها لن ترفع القيود التنظيمية عن العملات المستقرة إلا بعد التأكد من أنها لن تُهدد تمويل الاقتصاد الحقيقي.
القلق لا يقتصر على البنوك المركزية، إذ أعلنت مؤخرًا مجموعة من المؤسسات المالية الكبرى، من بينها غولدمان ساكس ودويتشه بنك، عن نيتها دراسة إصدار عملات مستقرة مدعومة بالكامل بالأصول الاحتياطية، وهو ما يؤكد تزايد زخم هذه الأداة النقدية الجديدة.
تنظيم متفاوت يفتح باب المراجحة
من جانبه، شدد مجلس الاستقرار المالي على خطورة التفاوت في تنظيم العملات المستقرة بين الدول، محذرًا من أن ذلك قد يفتح الباب أمام ما يُعرف بـ"المراجحة التنظيمية"، ويزيد من تعقيد مهمة الرقابة المالية العالمية.
وهو ما دفع إريك ثيدين للإشارة إلى احتمال قيام لجنة بازل بإعادة تقييم معايير رأس المال المصرفي المتعلقة بالأصول المشفرة، في ظل التغيرات المتسارعة في السوق.
تحركات إقليمية ومخاوف من فقدان السيادة النقدية
وفي الوقت الذي تدفع فيه بعض الدول نحو مزيد من الشفافية بشأن الأصول المشفرة، مثل الإمارات، أعرب مسؤولون عن قلقهم من التأثير طويل الأمد على سيادة العملات الوطنية.
فرانسوا فيليروي دي غالهاو، محافظ البنك المركزي الفرنسي، حذر من أن العملات المستقرة قد تخلّ بالتوازن التقليدي بين أموال البنوك المركزية والأموال التي تصدرها البنوك التجارية، مشيرًا إلى أن التهديد قد يصل أيضًا إلى الولايات المتحدة نفسها على المدى الطويل، رغم الدعم السياسي الذي تحظى به العملات المستقرة القائمة على الدولار باعتبارها أداة لتعزيز هيمنة العملة الأمريكية عالميًا.