صندوق الاستثمارات السعودي يعيد هيكلة استراتيجيته لتمكين شركاته التابعة وتعزيز حضورها العالمي
يستعد صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF)، الذي تتجاوز قيمة أصوله تريليون دولار، لإطلاق مرحلة جديدة من استراتيجيته الاستثمارية للفترة 2026 – 2030، تركز على تمكين شركاته التابعة وتحويلها إلى كيانات عالمية رائدة قادرة على جذب الاستثمارات الأجنبية وتوسيع نطاق أعمالها دولياً.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن الصندوق يعتزم منح أولوية أكبر لشركات استراتيجية مثل شركة الذكاء الاصطناعي "هيوماين" (Humain)، وشركة "آلات" (Alat) المتخصصة في التصنيع، وشركة "أفيليس" (AviLease) لتأجير الطائرات، بالإضافة إلى شركة الطيران الجديدة “طيران الرياض”، وذلك ضمن خطة تهدف إلى دعم قطاعات الاقتصاد السعودي الحيوية، وعلى رأسها السياحة والترفيه والألعاب والتقنيات المتقدمة.
وتنسجم هذه الخطوة مع الأهداف الأوسع للمملكة ضمن رؤية السعودية 2030، التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد الوطني بعيداً عن النفط، وتعزيز دور القطاع الخاص في دفع عجلة التنمية. وتشير المصادر إلى أن بعض المشاريع العملاقة مثل نيوم (Neom) قد تشهد إعادة تقييم أو تعديل في نطاقها الزمني والتمويلي، في إطار مراجعة شاملة للأولويات الاستثمارية.
استراتيجية جديدة تركز على الكفاءة والاستدامة
أكد المطلعون أن الصندوق أقرّ ملامح الخطة الجديدة، ومن المتوقع أن يُعلن عنها رسمياً في الربع الأول من عام 2026، حيث سيتم التركيز على دمج الشركات وتعزيز قدراتها التمويلية الذاتية لتصبح أكثر استقلالية وقدرة على جذب المستثمرين الدوليين.
وأشاروا إلى أن صندوق الاستثمارات العامة أنشأ أكثر من 100 شركة منذ تأسيسه، تعمل في قطاعات متنوعة تشمل الطاقة والسياحة والذكاء الاصطناعي والبنية التحتية، ويعتزم الصندوق الآن تطوير نموذج تشغيلي جديد يُمكّن هذه الكيانات من التوسع المستدام وتحقيق ربحية مستقرة على المدى الطويل.
وبحسب التقارير، فإن الخطة الجديدة ستعتمد على نهج الدمج الاستراتيجي لتكوين كيانات أكبر قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية، مع تحفيز الإدراج في السوق المالية السعودية (تداول) لتعزيز الشفافية وجذب رؤوس الأموال الأجنبية.
تحوّل في نهج الاستثمارات العالمية
رغم تركيز الصندوق المتزايد على الداخل، إلا أنه لن يتراجع عن دوره العالمي. إذ يواصل مراجعة استراتيجيته في الأسواق الخارجية، تمهيداً لزيادة طفيفة في مخصصات الاستثمارات الدولية بعد اكتمال المراجعة.
ويتوقع أن تشهد الشركات التابعة للصندوق نشاطاً أكبر في التوسع الخارجي، مستفيدة من قوتها المالية الضخمة وخطط النمو الممنهجة.
كما شجع الصندوق خلال السنوات الماضية شركاته التابعة على التمويل الذاتي عبر ميزانياتها العمومية وخططها التوسعية، وهو ما تجلّى في إدراج عدد من الشركات في البورصة السعودية خلال الأعوام الأخيرة.
دعم جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة
تتسق تحركات الصندوق مع أهداف المملكة لرفع الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 100 مليار دولار سنوياً بحلول 2030.
وقد استقطبت السعودية بالفعل نحو 32 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عام 2024، بفضل المبادرات الحكومية ومناخ الاستثمار الجاذب، إلى جانب الإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها المملكة في السنوات الأخيرة.
ويُعد صندوق الاستثمارات العامة الذراع الرئيسية لتحقيق أهداف رؤية 2030 التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وتشمل إنشاء مدن ومشروعات عملاقة تهدف إلى تنويع الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة.
التحديات المالية وإعادة تقييم المشاريع الكبرى
ورغم التقدم الكبير في تنفيذ الرؤية، فإن الضغوط المالية العالمية وتغير أولويات التمويل أدت إلى تحديات في تنفيذ بعض المشاريع العملاقة. فقد خفّض الصندوق في عام 2024 القيمة المسجّلة لبعض مشاريعه الكبرى، وعلى رأسها مشروع نيوم، بمقدار 8 مليارات دولار.
ومع ذلك، أكد ياسر الرميان، محافظ صندوق الاستثمارات العامة، خلال كلمته الافتتاحية في مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض، أن المملكة حققت تقدماً ملموساً في جميع قطاعات الرؤية، قائلاً:"يمكنكم رؤية النتائج في كل مكان: مدن جديدة، صناعات جديدة، منظومات اقتصادية وسلاسل توريد جديدة".
وأشار الرميان إلى أن نيوم لا تزال ضمن المجالات الستة ذات الأولوية في الخطة الاستثمارية 2026–2030، إلى جانب قطاعات أخرى مثل الطاقة المستدامة، الصناعات التقنية، النقل الجوي، والترفيه.
أولويات جديدة واستثمارات ضخمة
تُظهر التوجهات الجديدة للصندوق أن مشروعات مثل “البحر الأحمر العالمية” ومدينة الترفيه “القدية” ستنال أولوية أكبر في المرحلة المقبلة، كونها تمثل محركات اقتصادية واعدة لقطاع السياحة والترفيه، وتتماشى مع مستهدفات خلق وظائف وزيادة العائد غير النفطي.
وضخّ الصندوق خلال العام الماضي نحو 57 مليار دولار في قطاعات ذات أولوية، بينما شكلت الاستثمارات الخارجية 17% من محفظته الإجمالية. ويخطط الصندوق لرفع الإنفاق السنوي إلى 70 مليار دولار بعد عام 2025، مع مواصلة تعزيز حضوره في الأسواق العالمية من خلال صفقات نوعية.
وتعد صفقة الاستحواذ المحتملة على شركة “إلكترونيك آرتس” (Electronic Arts Inc) بقيمة 55 مليار دولار – والتي ستكون أكبر عملية شراء ممولة بالديون في التاريخ – دليلاً على تزايد الطابع الاستراتيجي لاستثمارات الصندوق العالمية، ودعم توجه المملكة لإنشاء صناعة ألعاب رقمية محلية قادرة على المنافسة الدولية.













