من الحدود إلى القلوب.. مصر في قلب معركة الدعم الإنساني لغزة رغم حملات التشويه

بينما تمضي آلة الحرب في تمزيق غزة، تقف مصر بثبات في موقع مختلف، موقع الفعل لا القول، والإنقاذ لا الاستغلال، ففي الوقت الذي تتصاعد فيه الحملات الإعلامية المغرضة، وتطلق الاتهامات جزافًا ضد القاهرة، تواصل الدولة المصرية القيام بدورها الإنساني والتاريخي تجاه الشعب الفلسطيني، رافضة المتاجرة بالمأساة، ومتمسكة بمسؤوليتها الأخلاقية والإنسانية دون ضجيج.
لم يكن ما تقوم به مصر اليوم حالة طارئة أو استجابة لحظية، بل هو امتداد طبيعي لدورها التاريخي في دعم الشعب الفلسطيني، سياسياً وإنسانياً؛ فمنذ عقود، ظلت القاهرة طرفاً فاعلاً في محاولات التهدئة، والإعمار، وفتح المستشفيات أمام الجرحى، واحتضان المحاصرين، وتنسيق قوافل الدعم الإغاثي والطبي، وتؤكد الجهود الجارية أن مصر لا تتعامل مع الأزمة بوصفها حدثاً عابراً، بل مسؤولية مستمرة.
وهنا يأتي دور الهلال الأحمر المصري الذي يعد ركيزة العمل الإنساني على الأرض ، فهو ليس مجرد شريك في الجهد الإغاثي، بل العمود الفقري الكامل للمنظومة، والركيزة الأساسية التي انطلقت من خلالها المساعدات إلى غزة، بصفته جمعية وطنية مستقلة تعمل ضمن منظومة الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، وتتولى تنسيق وتفويج المساعدات الإنسانية بالتعاون مع الجهات المعنية.
ومنذ بداية الأزمة، أعلن الهلال الأحمر رفع قدراته التشغيلية إلى أعلى مستوياتها داخل مراكزه اللوجستية في العريش، والتي أُنشئت خصيصًا لاستيعاب وتفويج المساعدات، هذه المراكز التي تعد ورشا إنسانية متكاملة تعمل على مدار الساعة لتجهيز الشحنات، وتصنيفها، وتكويدها، ومتابعة انطلاقها نحو المعابر، بما يضمن تدفق المساعدات بكفاءة عالية ووفقًا للمعايير الدولية للإغاثة.
وقد دفع الهلال الأحمر بمئات المتطوعين المدربين إلى هذه المراكز، بينما وضعت الجمعية شبكة متطوعيها – التي تتجاوز 35 ألف متطوع – في حالة استنفار دائم، لتقديم كل أشكال الدعم، من التعبئة اللوجستية، إلى الإسعاف، إلى التوثيق والمتابعة.
وفي الوقت الذي كانت فيه بعض المنصات تروج لمزاعم إغلاق المعبر، لم تغلق مصر معبر رفح من جانبها يومًا واحدًا، وبقي الهلال الأحمر على الأرض، في طليعة فرق العمل، مستعدًا عند كل لحظة لعبور المساعدات.
بالأرقام.. مصر تدعم لا تدعي
وبلغة الأرقام التي لا تعرف المزايدة، يظهر التقرير الأخير للهلال الأحمر المصري أن حجم المساعدات التي دخلت غزة منذ بدء الأزمة بلغ أكثر من 35 ألف شاحنة، حملت ما يزيد على نصف مليون طن من المواد الإغاثية، وتشمل هذه المساعدات: الغذاء والمياه الصالحة للشرب ، المستلزمات الطبية والجراحية ، المواد الإغاثية ومستلزمات الإيواء ، مستلزمات النظافة، ألبان الأطفال، الحفاضات ، شاحنات وقود، وسيارات إسعاف.
وهذه الشاحنات لم تكن مجرد رقم، بل كانت شرايين حياة، دخلت إلى غزة رغم المعوقات، وخرجت من أرض مصرية لم تتخل يومًا عن دورها.
وراء هذا الجهد الضخم، تقف منظومة دقيقة من العمل الميداني والتقني، حيث يعتمد الهلال الأحمر المصري على آليات تصنيف وتكويد للمساعدات تضمن توجيهها حسب نوع الحاجة وطبيعة المناطق المستهدفة، وذلك بالتنسيق مع شركاء دوليين في العمل الإنساني، بما يمنع الازدواجية أو الهدر ويضمن التكامل مع الجهود الأممية.
في الوقت الذي يُصر البعض على افتعال معارك كلامية، ترد مصر بالفعل، ومن داخل خطوط العمل الميداني، يثبت الهلال الأحمر المصري أن الجهد الحقيقي لا يحتاج إلى أبواق، بل إلى سواعد وعقول، وقلوب مؤمنة بأن الدعم لا يكون بالهتاف، بل بالوصول إلى الجائع والمريض والمشرد، لقد اختارت مصر أن تكون على الأرض، لا على المنصات، واختار الهلال الأحمر أن يكون هو الأداة التي تنقذ لا التي تشير، وبينما تتخبط بعض الأطراف في حروب سرديات، تكتب القاهرة سطورًا جديدة في التضامن العربي الحقيقي، من المعبر لا من الميكروفون.
بعيدًا عن الضجيج، يدرك الفلسطيني العادي من الذي أرسل إليه الغذاء، والدواء، والماء، ومن اكتفى بالشعارات، ويعرف من وقف على الحدود، ومن استثمر في الدم.
الهلال الأحمر المصري، بهذه الجهود غير المسبوقة، لا يمثل فقط مؤسسة إنسانية، بل رمزًا لضمير المجتمع المصري، وشريكًا أساسيًا في صناعة الأمل وسط ركام الألم.
وفي معركة الكرامة الإنسانية، لا تحتاج مصر إلى تبرير موقفها، لأن الحقائق تكتب بالشاحنات، لا بالكلام.
لقد اختارت مصر أن تكون كما عهدها الأشقاء الفلسطينيون دائمًا، شريان دعم حقيقيا لا يتوقف، وفي وقت تطغى فيه الشعارات، تؤكد القاهرة أن الكرامة لا تستعاد إلا بالفعل، وأن الضمير لا يقاس بعدد التغريدات بل بعدد الأرواح التي تم إنقاذها.
الهلال الأحمر المصري لا يعمل فقط بصفته مؤسسة، بل بوصفه تعبيرًا عن وجه مصر الذي لا يتغير: دولة تتقدم إلى الأمام حين يتراجع الآخرون، وتضع الإنسانية في مقدمة أولوياتها، مهما كانت الأكاذيب.